الأعمال الدرامية وقضايا الوطن
هل نستطيع الحكم على وضع بلد من البلدان بموجب ما ينشر في وسائل إعلامه من أخبار أو قضايا تهم المواطنين، أو بموجب ما تبثه وسائل إعلامه من برامج أو مسلسلات تعالج أوضاعاً اجتماعية أو معيشية للمواطنين؟
إذا كانت الإجابة عن هذا السؤال بالإيجاب، فإن وضع المملكة وبقية دول الخليج العربي أسوأ من أوضاع دول عربية تعاني شعوبها من شظف عيش، وتفكك اجتماعي كبير، ومشاكل أمنية لا تحصى، إلا أن كبت الحريات ومصادرة أي صوت ناقد جعلها في عين المتابع لما تنشره وسائل إعلامها تعيش في سلام وأمن ورخاء، وهو ما ينافي الواقع بدليل أن كثيراً من أبناء تلك الدول يتحينون الفرصة للهرب من وضعهم، ويحلمون بفرصة عيش في المملكة ودول الخليج.
هذا التساؤل يقود إلى نتيجة تتمثل في أن وسائل الإعلام التي تؤدي في الغالب رسالة سامية تتلمس احتياجات المواطن، وتضع مشكلاته بين يدي المسؤول، وتسعى إلى وضع حلول لقضايا تطرحها، قد تتحول إلى معول هدم إذا ما أسيئ استخدامها، وحينئذ تتحول الصورة الجميلة التي لا تخلو من بعض الإشكالات، إلى صورة قاتمة تبعث على اليأس والقنوط.
وخلال السنوات الماضية، وبشكل أخص هذا العام تعرضت المملكة لظلم كبير من الأعمال الدرامية التي ركزت على بعض القضايا فضخمتها، وبدلا من أن تعالج القضية موضع النقد، أصبحت هذه القضية مدخلا للسخرية من الوطن وأبنائه ومسمياته وكل ما حققه من مكتسبات، وكأن الهدف إضحاك المشاهد، دون إدراك لما يزرعه ذلك المشهد من أثر سيئ في نفوس المشاهدين، خصوصا صغار السن منهم.
هذا الوضع الذي أثار انتقادات حادة للعمل الدرامي الذي قدم هذا العام، سيزداد سوءاً العام المقبل، إذا لم توضع ضوابط للعمل الدرامي، خصوصاً أن كثيراً من الممثلين سيتحاشى في الأعمال القادمة التطرق لقضايا، أو أوضاع في دول عربية أخرى، بعد ردة الفعل القوية التي خرجت من تلك الدول دفاعا عن صورتها وصورة مواطنيها أمام العالم، وخوفاً مما قد تتخذه تلك الدول من إجراءات.
إن العمل الدرامي يستطيع بكلمة ساخرة أو تلميح ممجوج أن يقضي على إنجازات كثيرة حققها الوطن، وهذه الكلمة التي يعتقد بعض الممثلين أنها نوعٌ من النقد لا يمكن أن يمحو أثرها عشرات المقالات أو التقارير الإعلامية، وهي مع الأسف تتخذ من قبل أطراف أخرى دليلا على تردي الوضع في المملكة ودول الخليج العربي التي هي الأخرى تتعرض لهجمة شرسة عبر مسلسلات صورت مجتمعاتها وكأنها مجتمعات انحراف وخيانة.
وقد كان الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة واضحاً ومباشراً وهو يشير إلى الأثر السيئ الذي تركته بعض وسائل الإعلام حينما قال: "المملكة ظلمت إعلاميا، ولم تعط حقوقها كاملة في إظهار الإنجازات وتبيانها، فيما أعطيت أكثر من حقها في التشويش في قنوات تلفزيونية محسوبة على المملكة، وأصبحت تلك القنوات مصدراً للتشويش وتتسابق لانتقاد المملكة معتقدين أن ذلك يكسبهم المشاهد"، وكذلك قوله: "هذه المسلسلات أظهرت المواطن بأنه ساذج وغبي، رغم كل هذا التطور الذي حققه المواطن السعودي" وتساءل: لماذا ندفع مبالغ كبيرة لإنتاج هذه المسلسلات التي تظهر المواطن السعودي بهذا الشكل، ولماذا لا يظهرون المواطن السعودي المبدع والمتميز في مجالات عديدة؟
إن هذه الإشكالية التي أشار إليها الأمير خالد الفيصل لا يمكن أن تعالج عبر المناشدات، وإنما عبر تشريعات تحفظ للعمل الفني والإعلامي بشكل عام مكانته بحيث لا يتحول إلى تهريج هدفه جذب المشاهد عبر كلمات أو تصرفات تضحك المشاهد، لكنها في المقابل تزرع في ذهنه صورة سيئة عن الوطن وأبنائه.