«مع هذا كله لسنا قانعين بالذي عملناه إلى الآن»

''ومع هذا كله لسنا قانعين بالذي عملناه إلى الآن، وإن شاء الله الأيام المقبلة تبشر بخير''. هذا مما جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين عند تسلمه - يرعاه الله - التقرير السادس والأربعين لمؤسسة النقد العربي السعودي الأسبوع الماضي. هذه الكلمات - في تقديري - هي هدية خادم الحرمين الشريفين للمواطن السعودي في ذكرى اليوم الوطني؛ لأن قائد المسيرة يدرك ويعلم حجم ما تحقق من إنجازات على أرض الواقع؛ إلا أن طموحه - يحفظه الله - لرفاه المواطن السعودي يجاوز كل ما تحقق؛ لذا هو يبشر بالخير.
نستطيع كوطن وكأفراد أن نستعرض الإنجازات ونطيل الحديث عنها؛ لنشعر بالفخر والسعادة؛ لكن هذا لا يضيف شيئا جديدا لما تحقق. البناء الحضاري في شقيه المادي والمعنوي يحتاج إلى عمل متواصل؛ حيث تصرف كافة الجهود لإضافة منجزات جديدة. الأمم ''الحية'' لا تتوقف طموحاتها، ولا تقرأ إنجازاتها إلا كمرحلة في مسيرة طويلة من الإبداع.
رسالة خادم الحرمين الشريفين الحضارية هي خريطة طريق لكل مؤسسات الدولة؛ فهناك أعمال يومية هي من قبيل ''الروتين الإداري'' لا توضع في ميزان الإنجازات، ويجب الالتفات إلى مبادرات خلاقة تليق بطموحات القيادة ومكانة هذا الوطن. رؤية تتجاوز حدود أداء الواجب إلى صناعة المنجزات بالمعنى الحقيقي، لتكون نقاط تحول إيجابية في مسيرتنا؛ على نحو الجبيل وينبع، وبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وغيرها كثير. هذه المنجزات الحضارية لا تصنعها بيروقراطيات المكاتب، ولا ثقافة ''العيش على الأطلال''، هذه تحتاج إلى طموحات تتجاوز الجدل ونظريات المؤامرة، إلى الأعمال الصالحة التي تبقى جزءا من حضارة الأمم وإبداعاتها.
وحدها المنجزات تجتذب الجدل في مجتمعاتنا؛ لأنها تخرج عن مألوف التعايش اليومي لمن يرى نهاية المطاف فيما تحقق، ويرى في كل جديد أو تجديد انقلاب على واقعه. ولم تخل الأمثلة التي ذكرتها من هذا الجدل؛ إلا أن حكمة قيادة هذا البلد حافظت على بقاء هذه المنجزات لمصلحة الوطن بعيدا عن مساحات الخلاف. قد تختزن ذاكرتنا بعض الجدل عن ما تم قريبا، ولكن هل تعلمون أن منجزا كمشاريع الجبيل وينبع عند إنشائها كان محل جدل كبير، أرسل لي صديق محاضرة، للوزير المفكر غازي القصيبي، رحمه الله، قبل أكثر من 30 سنة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، جاء فيها: ''.. أن بعض الذين يدرون بما يدور في الجبيل وينبع لا يشعرون بالفخر بما يدور هناك''. نموذج فقط، ولا أشك أن ذاكرتكم بها الكثير، وقد أوردت الجبيل وينبع؛ لأني لم أعايش الجدل حولها، وربما لم يعايشه أغلب القراء.
لذلك؛ فإن مسيرة البناء تحتاج إلى الطموح، كما تحتاج إلى الصمود، ولن يكون النقد ولا التشكيك حائلا دون الإنجاز، بل قد يكون في بعض الحالات محفزا له. كيف كان ينظر إلى تعليم المرأة في بداياته؟ وكيف تحول الرافضون فيما بعد؟ والأمثلة كثيرة وستستمر.
قال خادم الحرمين الشريفين كلماته في مناسبة اقتصادية ولكنها رؤية تتجاوز حدود المناسبة إلى بعد الزمان؛ حيث نحتفل بمرور ثمانين عاما على ذكرى توحيد هذا الوطن وبداية مسيرة حضارية جديدة هي امتداد حقيقي لحضارة لم تقطعها مراحل التخلف عن محاولات النهوض. لم ولن تتوقف طموحات هذا الوطن طوال هذه السنوات، تختلف الظروف السياسية والاقتصادية، ونتجادل كثيرا حول قضايا كثيرة كجزء من حراك المجتمع الذي لم يتوقف، واجهنا وسنواجه تحديات مختلفة؛ إلا أننا جميعا لن نتوقف عن العمل، لنقول - كجزء من طموحاتنا - كما قال خادم الحرمين الشريفين: ''ومع هذا كله لسنا قانعين بالذي عملناه إلى الآن، وإن شاء الله الأيام المقبلة تبشر بخير''. حفظ الله هذا الوطن مسارعا للمجد والعلياء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي