الملك المؤسس .. المشروع الكبير .. والمشروع الصغير

قبل أيام مرت علينا ذكرى التأسيس والتوحيد .. ذكرى اليوم الوطني, وهي فرصة سنوية لاستذكار مدى أهمية (المشروع الكبير) الذي قاده الملك عبد العزيز، رحمه الله، مشروع تأسيس دولة حديثة تبني تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي انطلاقا من حكمته ورؤيته وتضحيته.. هو والجيل الذي قاد معه مشروع الوحدة الوطنية.
ما يهمني هذا العام هو الوقوف عند المبدأ السياسي القيادي الذي تبناه الملك عبد العزيز وطبّقه في مراحل تأسيس الدولة وبنائها .. وهو مبدأ (المشروع الكبير). وهذا يعني أنه - رحمه الله - جعل مشروع بناء الدولة المظلة أو السقف الذي يجمع ولا يعلو عليه أحد، لذا كان أمامه هدف واضح تماما وهو: (لا مشروع صغيرا ضد المشروع الكبير).
كان - رحمه الله - حاسما وواضحا وساعدته فطرته القيادية وتطور ذكائه السياسي على معرفة واستجلاء أبعاد وأهداف كل صاحب مشروع خاص, سواء كان فردا أو جماعة، وفي مراحل تأسيس الدولة منذ استعادة الرياض ثم استكمال التوحيد باستعادة الحجاز, كانت هناك الكثير من المواقف والأحداث التي تؤكد مدى إدراك الملك المؤسس أهمية استيعاب المشاريع الصغيرة إذا كانت في صالح المشروع الكبير.
الذين خرجوا (ضد) الوحدة بمشاريعهم السياسية الخاصة كان حاسما معهم .. وقد تعامل معهم بما رآه في مصلحة الدولة ومصلحتهم .. والذين كانت لهم أفكارهم وتصوراتهم في القضايا الاجتماعية استخدم معهم آلية الفرز والتقييم .. فمن كان يصدر عن نظرة محدودة للأمور أخذه بالرأفة والرحمة وحيّده وتركه للزمن يعالج قصوره، والذين كانوا يتبنون موقفا أو مشروعا له نظرة إصلاحية مستقبلية، هؤلاء أشركهم معه في المشروع الكبير.
وهنا أستذكر العديد من المواقف والقصص التي ذكرها سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز في محاضرته في النادي الأدبي في مكة ونشرتها دارة الملك عبد العزيز في كتيب مهم، (ملامح إنسانية من سيرة الملك عبد العزيز), فقد قدم سموه أمثلة حية وواقعية على أسلوب الملك المؤسس في إدارة شؤون الحكم وفي قدرته على دمج المشروع الصغير مع مشروع بناء الدولة الكبير..
وموروث الملك عبد العزيز في هذا الإطار واسع وكبير, وبالتأكيد سيكون مفيدا لمستقبل الوحدة الوطنية أن يتم تبني محاضرة الأمير سلمان كمشروع للقراءة والتعبير في التعليم العام بدءا من هذا العام, بحيث توزع المحاضرة على الطلاب، بالذات في المرحلة الثانوية, ثم يترك للطلاب الحوار والتعبير حولها، وهذه آلية علمية عملية لربط الطلاب بأفكار ومبادئ الوحدة الوطنية التي أسسها الملك عبد العزيز، فهل تتبنى وزارة التربية والتعليم مشروع نقل موروث الملك المؤسس إلى الأجيال القادمة؟