فرصة لدحض الصراعات في بيئة العمل

''كل عام وأنتم بخير وعساكم من عواده'' تكثر هذه العبارة في أوساط بيئة العمل في هذه الأيام المباركة بمناسبة عيد الفطر، ثم بمشيئة الله ستتكرر هذه العبارة في عيد الأضحى المبارك، ثم تتكرر هذه العبارة كل عام. حقيقة هذه العبارة هي دعوة صادقة من قائلها يتمنى بها الخير للمتلقي. وبعيدا عن التحليلات النفسية والعلاقات الآنية بين القائل والمتلقي وبتقديم مبدأ حسن النية فهذه مبادرة طيبة من القائل لدحض أي نوع من الصراع بين القائل والمتلقي.
جرت العادة في هذه الأيام أن يكون هناك حفل ''مُصغر'' للمعايدة بين زملاء العمل يتبادلون فيه التهاني والتبريكات، وهذه لعمري لعادة حسنة توفر فرصة كبيرة للتسامح والتصافي. فطبيعة العمل اليومي في بيئة العمل خلال عام كامل تولد بعض الحزازيات والمشاحنات وسوء الفهم، وهذه الفرصة بمثابة المصل السنوي الذي يعالج الخلافات السابقة ويؤمن مناعة ضد هذه الخلافات والمشاحنات للعام المقبل.
حتى يتم الاستفادة من هذه الفرصة بشكل كبير أقترح أربعة مبادئ للتعامل بين الزملاء، وهي على النحو التالي:
الأول: تقديم مبدأ حسن النية، فبلا ريب تعزز التربية الإسلامية هذا المبدأ وتدعو للالتزام به. ويا حبذا لو اندمج هذا المبدأ مع مبدأ أسبقية الفعل عن القول، مع العلم أن القول قد يكون مسوغا ومحفزا جيدا للفعل بأن يتقدم عليه. فالمبادرة بالتهاني والتبريكات هي خير قول يحفز للفعل بعد ذلك، فالعمل الجاد وحسن التعامل مع الزملاء والإخلاص في القول والعمل هي أفعال منشودة ومطلوبة في بيئة العمل. تحقيق الدلالة العملية لعبارات ونصوص التهاني والتبريكات تتطلب حسن النية وقوة العزيمة والإرادة لتنتقل إلى مجال التطبيق والرقي إلى حيز القيمة المعتبرة، خلاف ذلك تصبح عبارات التهاني والتبريكات عبارات جوفاء مجردة لا قيمة لها.
الثاني: مبدأ ''مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ''، عند تلقينا تهنئة من أحد الزملاء فهو بفعلته هذه قد أحسن إلينا ودعا لنا بخير فلا يجوز حينئذ أن نحلل مبادرته هذه وأن نحملها ما لا تحتمله من السؤال حول نيته بالمبادرة ولماذا بادر وهل اضطر إلى المبادرة أم أنه تعمدها فعلا، وغيرها من الأحاديث التي أعتبرها حديث النفس الأمارة بالسوء. فأعتقد أنه من الأجدى أن نتوقف عند مبادرته ونشكره عليها ونحسبها له لا عليه.
الثالث: مبدأ عدم انتظار الرد على الإحسان، وهنا أقول إن من أحسن فقد أحسن متجردا بإحسانه لوجه الله تعالى فلا يصح له أن ينتظر الرد مِمَن أحسن إليه. فإذا بادرت بالتهاني والتبريكات وحسن القول والعمل فلا تنتظر رد الجميل بل أخلص قولك وعملك لله ـ سبحانه وتعالى ـ وتجرد من المقابل الدنيوي ''وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى''.
الرابع: مبدأ ''اتخذ لأخيك سبعين عذرا فإن لم تجد فقل لعله نسي''، نحن في هذه الدنيا يجب أن نعذر الآخرين حتى يعذرونا فمن منا لا يخطئ ومن منا غير مقصر، ولكن لكل منا عذره. بيئة العمل مليئة بالمشاحنات والصراعات التي بنيت على عدم قبول العذر أو عدم اتخاذ العذر. فمتى نكون متجردين من الحساسية المفرطة ونتقدم للأمام دون أن نترك للشيطان مدخلا في علاقاتنا الاجتماعية.
خلاصة القول إن صفاء النفس وخلوها من الأحقاد ينعكس على طريقة تعاملنا بعضنا مع بعض وحقيقة قولنا لا بد أن يصدقه العمل فهذه دعوة صادقة أن نبادر بالتهنئة والتبريكات، وأن نطهر قلوبنا بشكل دوري من تراكمات صراعات بيئة العمل ونفتح أبواب التسامح والصفح ونركز على العمل والإنتاج لا على المشاحنات والصراعات، وكل عام وأنتم بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي