منتخب المملكة لذوي الاحتياجات الخاصة.. الإنجاز.. والإعجاز
كأس العالم ذاك الحدث غير العادي في حياة الناس.. وكأس العالم بكل مسمياته وقطاعاته المختلفة للشباب أو للناشئين أو للسيدات أو لذوي الاحتياجات الخاصة فإنه كأس للعالم يحمل طعم ومذاق ولون ورائحة المونديال العالمي نفسه ربما على أصغر. وكأس العالم لذوي الاحتياجات الخاصة يحمل مضامين أخرى كثيرة جداً سنستعرضها لاحقاً، ولكن دعونا نأخذ فكرة مبسطة عن كأس العالم لذوي الاحتياجات الخاصة ـ إعاقة ذهنية ـ هذه الفئة الغالية علينا والأحداث التي دارت فيه حتى تحقق إنجاز وصل إلى درجة الإعجاز من المنتخب السعودي لذوي الاحتياجات الخاصة الذي حقق البطولة للمرة الثانية على التوالي.
فقد انطلقت يوم 23/08/2010 منافسات كأس العالم للإعاقة الذهنية لكرة القدم الخامسة التي استضافتها بولوكواني في جنوب إفريقيا، واستمرت حتى يوم الثالث من شوال الحالي على ملعب موكابيو. وقد اشتمل حفل الافتتاح على عديد من الكلمات الترحيبية بالمنتخبات الـ (11) المشاركة في البطولة من رئيس اللجنة المنظمة وحاكم محافظة لمبوبو، ثم تلاه دخول المنتخبات المشاركة، ثم شاهد الحضور عروضاً فنية تمثل تراث جنوب إفريقيا.
كما احتفت اللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم الخامسة لكرة القدم للاحتياجات الخاصة بالوفود المشاركة في البطولة، تخلل الحفل كلمات لرؤساء الوفود المشاركة، حيث ألقى رئيس وفد المملكة أمين عام الاتحاد السعودي لرياضة ذوي الاحتياجات الخاصة الدكتور ناصر الصالح كلمة شكر فيها مدينة بولوكواني والاتحاد الجنوب إفريقي للإعاقة الذهنية على استضافة البطولة، مقدراً جهود اللجنة المنظمة في تنظيم البطولة وخروجها بهذا الشكل الجيد، وثمّن ما يقوم به الاتحاد الدولي للإعاقة الذهنية (إيناس) لإنجاح البطولة، وقال "نتطلع إلى أن نعمل وإيناس سوياً لتطور البطولة القادمة في البرازيل 2014م.
كما قدم دروعاً تذكارية لحاكم بلوكواني تسلمتها نيابة عنه رئيسة اللجنة المنظمة للبطولة التي تسلمت درعاً مماثلة ودرعا لممثل الاتحاد الدولي للإعاقة الذهنية الدكتور جيف ودرعا لسكرتير عام الاتحاد الجنوب إفريقي للإعاقة الذهنية ليز، ثم تناول الجميع طعام العشاء بهذه المناسبة.
الجدير بالذكر أن الفرق المشاركة قسمت إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى ضمت كلا من: جنوب إفريقيا، بولندا، البرتغال وكوريا الجنوبية.
المجموعة الثانية ضمت: السعودية، فرنسا واليابان.
المجموعة الثالثة ضمت: هولندا، ألمانيا، المجر وتركيا.
واستبعدت اللجنة المنظمة للبطولة خمسة منتخبات من هذه النهائيات لعدم أهليتها للمشاركة.
بعد ذلك بدأت المباراة الافتتاحية التي جمعت جنوب إفريقيا المستضيف وبولندا ضمن منافسات المجموعة الأولى وانتهت بفوز منتخب بولندا بنتيجة ( 3/2).
من جانب آخر، أقامت اللجنة المنظمة للبطولة مساء اليوم نفسه حفل عشاء للوفود المشاركة حضره رؤساء الوفود والأجهزة الفنية واللاعبون المشاركون في البطولة.
ومما هو جدير بالذكر أن المنتخب السعودي لكرة القدم واجه المنتخب الفرنسي في أول لقاءاته في البطولة ضمن المجموعة الثانية التي تضم إلى جانبهما اليابان وفاز فيها بتسعة أهداف، كما فاز على اليابان بأربعة أهداف.
وحلق المنتخب السعودي إلى ربع النهائي بتصدره فرق المجموعة الثانية برصيد ست نقاط بعد فوزه بأربعة أهداف دون مقابل على نظيره الياباني، ثم على منتخب بولندا في الدور نصف النهائي استحق بها فرص المنافسة القوية والمحافظة على لقبه السابق.
ثم بلغ منتخب المملكة لذوي الاحتياجات الخاصة لكرة القدم نهائي بطولة العالم للمرة الثانية على التوالي بعد فوزه على بولندا (4/2) ضمن الدور نصف النهائي. والتقى المنتخب السعودي نظيره الهولندي في نهائي بطولة العالم الخامسة يوم السبت 11/9/2010م على ملعب بيتر موكابا في بولوكواني.
وجمعت مباراة النهائي كلا من البطل والوصيف للبطولة السابقة التي أقيمت في ألمانيا عام 2006، حيث تقابل المنتخبان السعودي والهولندي واستطاع أخضر الاحتياجات الخاصة حينها الفوز 9/8 بركلات الترجيح وتحقيق اللقب للمرة الأولى. وكان وقت المباراة الأصلي التي أقيمت يوم 16/9/2006 قد انتهى بتعادل الفريقين 4/4.
وتغلب المنتخب السعودي على نظيره الهولندي في نهائي كأس العالم لذوي الاحتياجات الخاصة والتي انتهت بفوز منتخب السعودية بهدف مقابل لا شيء سجله اللاعب عمر كسار في الدقيقة السابعة من الشوط الإضافي الثاني. وبذلك يحقق المنتخب كأس العالم للمرة الثانية على التوالي.
ومن الأشياء التي تسر البال أن المنتخب السعودي لم يخسر خلال البطولة وسجل هجومه 22 هدفاً في خمس مباريات ولم يسجل في مرماه سوى هدفين، ويعد ذلك إعجازاً آخر لحارس المرمى السعودي أحمد الرشيدي.
عاشت السعودية يوم السبت 11/09/2010 فرحتين كبيرتين، الأولى بمناسبة عيد الفطر المبارك، والثانية تحقيق منتخب الاحتياجات الخاصة لقب كأس العالم والمحافظة عليه، ليصيح بطلا للنسخة العالمية مرتين متتابعتين، كلاهما جاءت على حساب المنتخب الهولندي. وتعالت أفراح السعوديين عند الدقيقة 111 من زمن المباراة والأشواط الإضافية، حينما نجح اللاعب السعودي عمر كسار في هز الشباك الهولندية بعد مباراة ماراثونية قوية ومثيرة.
المنتخب السعودي لم يكتف باللقب الذهبي، إذ توج حارس مرماه أحمد الرشيدي بلقب أفضل حارس في الاستحقاق العالمي، فيما حقق رفيق دربه ماجد الدوسري لقب أفضل لاعب في البطولة.
واحتل المنتخب البولندي المركز الثالث بعد تغلبه على البرتغال في مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع.
وبهذا الانتصار العريض والتتويج باللقب العالمي يكون المنتخب السعودي للاحتياجات الخاصة قد أسهم بفعالية في رفع سمعة الرياضة السعودية والعربية في المحافل الدولية ونقش بماء الذهب اللقب التاريخي في سجلات "الفيفا" الذهبية الخاصة بالإنجازات.
إن الحصول على لقب هذه البطولة وللمرة الثانية على التوالي وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى من أجل إضافة هذا الإنجاز العالمي لسجل الإنجازات التي حققتها الرياضة السعودية وبصفة خاصة رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة وأن منتخب الاحتياجات أكد أن الكرة السعودية بخير وأن الإنجازات ليست بصعبة متى ما وجدت العزيمة والإصرار والعمل السليم، مؤكداً أن تحقيق المنتخب هذا اللقب يؤكد ويعطي دروسا عدة أبرزها أنه لا مستحيل ولا شيء يقف أمام تحقيق الآمال متى ما وجدت الروح والإصرار على تحقيق الشيء.
إن ما حققه منتخب الاحتياجات يعد مفخرة للجميع كونه إنجازا عالميا، مؤكدا رفعة وعلو كعب الكرة السعودية.
إن هذا التتويج الذهبي جاء بعد جهد وعناء وعرق ودموع ورحلة كفاح مثيرة ونضال من أجل تحقيق المستحيل من خلال اللقاءات التي لعبها المنتخب وقدم خلالها مستويات متميزة وكبيرة محققاً النتائج المرجوة.
وبلا شك أن الجهود التي بذلت من قبل أعضاء مجلس إدارة الاتحاد ولجانه ومن الأجهزة الفنية والإدارية للمنتخب واللاعبين من أجل الإعداد للمشاركة في هذا المونديال العالمي، والذي تحقق فيه، ولله الحمد، هذا الإنجاز المشرف لكل العرب والذي كان محل تقدير جميع المراقبين الرياضيين والإعلاميين على الصعيدين المحلي والخارجي. ويقف خلف كل ذلك الأمير سلطان بن فهد بن عبد العزيز الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس الاتحاد السعودي لذوي الاحتياجات الخاصة والأمير نواف بن فيصل بن فهد بن عبد العزيز نائب الرئيس العام لرعاية الشباب ودعمهما ورعايتهما ومتابعتهما هذه الفئة الحبيبة إلى قلوب الجميع ولمنتخب المملكة منذ بداية الاستعداد لهذه البطولة والمشاركة فيها مما جعل المنتخب يقدم هذا المستوى المشرف خلال هذه البطولة، وكانت الداعم والمحفز لهم لتحقيق اللقب والذي عكس من خلاله الواقع الحقيقي الذي وصلت إليه الرياضة السعودية بخاصة رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة التي تحظى بكل دعم واهتمام من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، والأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام والأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية.
إن تحقيق هذا الإنجاز للمرة الثانية على التوالي أمر ليس بالسهل تحقيقه ولم يأت من فراغ أو عبر صدفة عابرة بل هي نتاج عمل وجهد استمر لفترة ثلاث سنوات من خلال المعسكرات التحضيرية من أجل الإعداد لها والحفاظ على اللقب الذي تحقق قبل أربع سنوات في ألمانيا، حيث تم تجهيز اللاعبين فنياً ونفسياً لمثل هذه المباريات لمواجهة منتخبات تلعب بتكتيك عال جداً. ساعد في ذلك انضباط اللاعبين ومحافظتهم على نظام غذائي متوازن، وأداء التمارين بجدية أسهم في وصولهم إلى درجة عالية من اللياقة كانت بمثابة السلاح خلال المباريات القوية التي تحتاج إلى مجهود بدني كبير.
إن تكاتف الجميع خلال هذا العمل لتحقيق الإنجاز والحفاظ على اللقب حقق الغرض المنشود، لذلك يجب أن يتم تكريم هذا المنتخب والاحتفاء به بصورة غير عادية لأنه يعتبر إنجازا غير مسبوق، بل هو إعجاز، على أن تشارك فيه الجهات الرسمية والشركات والمؤسسات ورجال الأعمال، بل كل أفراد الشعب السعودي والجاليات العربية الموجودة في المملكة، لأن هذا الإنجاز هو إنجاز لكل الدول العربية.
إن الإصرار والعزيمة والروح القتالية التي اتصف بها المنتخب السعودي لذوي الإعاقة الذهنية تثبت أنه ليست هناك أي إعاقة يمكن أن تقف في وجه طموح ورغبة الإنسان للوصول إلى غايته خاصة حينما تكون هذه الغاية هي رفعة اسم الوطن أو أداء واجب من واجبات هذا الوطن الرياضية أو غيرها.
والتضحية التي قدمها هؤلاء الشباب ترمز لمدلولات كثيرة، خاصة إذا علمنا أن التضحية تدفعنا لتقديم أشياء قيمة وضرورية وأشياء مهمة تجعلنا نحطم المستحيل ونصنع العجائب في نكران للذات. والتضحية بالنفائس مشيرة إلى التكريس الروحي من أجل وطن غال وعزيز.
لقد واجه هؤلاء الشباب فرقا متمرسة تخضع لعناية فائقة واهتمام متزايد من الجهات المسؤولة عنها، مع فارق الخبرة والمستويات الفنية المتقدمة، إلا أن كل ذلك لم يقف في طريق تحقيق هذا الإنجاز بعطاء بلا حدود.
إن تكريم هؤلاء الأبطال تكريماً غير عادي وغير مسبوق من كل النواحي الأدبية والمعنوية والمادية أمر واجب على الجميع، ولكني من هذا المنبر أوجه الدعوة والمطالبة من الاتحادات العربية إن لم يكن في كل الدول العربية فليكن في بعض منها مثل: مصر وتونس والجزائر والسودان وكل دول الخليج بلا استثناء بتكريم هذا المنتخب في دولهم، وإقامة المهرجانات الاحتفالية بهذه المناسبة وبطريقة تليق بما حققه هؤلاء الأبطال وذلك رداً للجميل بما حققوه للعالم العربي أجمع من سمعة طيبة في هذا المجال وبلا شك أنهم حققوا ما لم تتمكن باقي المنتخبات من تحقيقه. وليكن ذلك حافزاً يشحذ همة الأصحاء من أجل تحقيق إنجاز مماثل إن كان هناك نبعا من حياء يثير الغيرة الكامنة في قلوب الأصحاء لتحقيق إنجاز يرفع اسم العرب كما فعل هؤلاء الأبطال.
أحبتي الكرام في السعودية وفي كل إنحاء العالم العربي.. إن قهر الإعاقة هو قهر للمستحيل.. وترفيع لإرادة الإنسان، حيث تسمو به إلى عالم تحفه قوة العزيمة في نفوس لا تعرف الهوان ولا الاستسلام.. ولا تعترف بقوة الخصوم ولا وحشة المكان.. بل هي دافع مدعوم بقوة الإيمان.. تمجيداً وتخليداً وعزة للأوطان.
لكل القائمين على أمر منتخب المملكة لذوي الاحتياجات الخاصة من إداريين ولاعبين ومدربين، ولكل من أسهم في تحقيق هذا الإنجاز.. لكم تحية إجلال وإكبار ولتكن كلماتي لكم هذه تكريماً مني لكم، وأنتم تستحقون التكريم بأكثر من إشادة وأكثر من كلمات.