ثقافة القيلولة
"من بين أسباب أزمة الشعب اليوناني: القيلولة في الظهيرة. لذا عليهم أن يغيروا من عاداتهم ويعملوا أكثر ولوقت أطول".
صحافي ألماني: في انتقاده لكسل اليونانيين و الذي عده من أهم الأسباب في تردي أحوال بلادهم الاقتصادية!!
بدون ذكر الفساد الحكومي والقروض المفرطة التي تساهلت البنوك الأوروبية في إعطائها للشركات اليونانية وبدون التطرق إلى أن الديون طالت أيضا بلدانا لا تؤمن بثقافة القيلولة.
من منظور مختلف, تذهب شرائح أخرى من الأكاديميين إلى نظرية أن الأزمة الاقتصادية الحالية نشأت بشكل رئيسي من إفراط الناس في العمل. وبحسب رأيهم فإن منظومة الأعمال رسمت لنفسها معتقدات خيالية اعتمدت على الإنتاج ونسيت الإنسان, فبات المطلوب منه أن ينجز الأعمال الأضخم والأكبر بأسرع وقت ممكن .
الدراسات أشارت إلى أن طاقات الإبداع البشرية ستتضاءل مع الوقت كما ستتزايد أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية إذا استمروا في أسلوب الاتجاه الواحد أي استهلاك طاقتهم بدلا من العمل على تجديدها. أي أن منطق 24 ساعة في سبعة أيام قد ينفع مع الإنترنت لكن ليس مع الناس. لكن حتى مع كم المعلومات الهائل الذي نطالعه على صفحات الإنترنت فأحيانا كثيرة يكون مضللا ومشتتا للأفكار وكم هي مرهقة ملاحقة كل ما هو جديد من الاختراعات.
وبالعودة إلى أعراف القيلولة والدراسات أشارت إلى أن فاعلية البشر في مرحلة اليقظة تعتمد على مقدار استيفائهم لحاجتهم من النوم وفي هذا الصدد ربطت الدراسة البحثية بين تسرب النفط من الناقلة العملاقة (إكسون فالديز)، وانفجار مكوك الفضاء تشالنجر وأسلوب الحياة الذي اتبعه المسؤولون عن إدارة الأعمال في تلك المشاريع والذي كان بمثابة ورشات عمل متواصلة كانت قلة النوم من بين أبرز مظاهرها.
في عام 1993 أجرى بعض العلماء دراسة حول عادات ثلاثة مستويات من طلاب الموسيقى. الكل كان يتدرب ضمن جداول زمنية محددة, لكن بقي التفاوت واضحا في الأداء. أفادت الدراسة أن طلاب المستوى الأعلى برعوا أكثر في نشاطهم الموسيقي من زملاء المستويات الأخرى بسبب أنهم كانوا أكثر تنظيما لوقتهم, يأكلون وجبات منظمة وينامون أكثر ليلا ويأخذون فترات قيلولة أثناء النهار. لكن ورغم انشغال الآخرين بالتدريبات لساعات طويلة في النهار والتي تمتد لوقت متأخر من الليل بقي أداؤهم متراجعا عن الآخرين.
بشكل عام, الموضوع متعلق بإدراك البشر لجدوى ما يقومون به وبإحساس الرضى في نفوسهم إضافة إلى المحيط الاجتماعي والجغرافي الذين ينتمون له. أذكر في هذا الصدد الصدمة التي تعرض لها استاذ إنجليزي في علوم الفيزياء أثناء جولة تدريسية خارجية، فبمقدار ما كان إعجابه شديدا بطلاب الفيزياء في بلاده كونهم قلما ينامون كانت صدمتهم أكبر بالآخرين الذين قلما يستيقظون .