الجريمة وفقدان الضمير والمعوقون عقليا
لقد بُذلت الكثير من الجهود على مستوى العالم لدراسة مواضيع مهمة مثل الإعاقات العقلية والأمراض العقلية النفسية، وكانت تلك الدراسات والأبحاث إنما تهدف أولا وأخيرا إلى الوصول إلى أسباب تلك الإعاقات، وذلك للعمل على توعية الناس من أجل تفاديها، لكن كل تلك الإعاقات التي تخص الجوانب العقلية مع الأسف لم تجد طريقا للحلول الجذرية بل إن كل ما في الأمر هو الاعتماد الكلي تقريبا على الأدوية المهدئة التي لا تعمل لأبعد من استقرار الحالة المؤقت، الذي سرعان ما يزول بترك الدواء والانقطاع عنه، لكن عندما تكون درجة الإعاقة العقلية خفيفة نجد أنه من الصعب على غير المختص اكتشافها إذا كانت تحت تأثير تلك الأدوية، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن الأطباء النفسيين والأطباء الذين تندرج تخصصاتهم تحت مختلف الإعاقات العقلية كالتخلف العقلي والتوحد وغيرهما، إنما يرون أهمية التعامل مع تلك الفئة تعاملا خاصا. وقد خصصت أقسام غاية في الدقة على مستوى جامعات العالم المتقدمة من أجل محاولة احتواء تلك الفئة، ووضعت لهم مراكز ومستشفيات متعارف عليها لدى الكثير من المجتمعات، كان الهدف من إنشائها هو حمايتهم ورعايتهم وتلبية احتياجاتهم الخاصة، نظرا لأن مثل هؤلاء من الصعب جدا أن يندرجوا تحت متطلبات المجتمع العادي أو يتفاعلوا مع الأسوياء عقليا، إلا أن هذه الفروق العقلية يجب ألا تكون سببا من أسباب الاستهانة بهم لكونهم يقعون تحت فئة ما يسمى بـ(الإنسان)، وهو مع الأسف ما لا يعترف به البعض من الناس، حتى إن من هؤلاء هم ممن يعملون في تلك المؤسسات أو المراكز أو المستشفيات ربما لا يكونون سببا رئيسا أحيانا، ولكن درجة الإهمال التي تصل ببعضهم تجعلنا نسمع ما حدث أخيرا في أحد مراكز التأهيل في المملكة عندما اعتدى عامل بالفاحشة على فتاة من فتيات ذلك المركز، مثل ذلك الخبر أعتقد أنه يعصر القلب ألما، ويجعلنا دائما نتساءل عن مدى إنجاز المسؤولية من قبل العاملين في تلك المراكز بشكل عام وما درجة الانضباط الداخلي التي من المفترض أن تمنع حدوث مثل تلك الجرائم التي غالبا ما يُستغل فيها المريض استغلالا سلبيا، لأنه في المقابل الجميع يعرف أنه لا يستطيع التعبير الواقعي والمنطقي عن نفسه بسبب أنه يفقد الاستبصار لذاته.
ولعل تلك الحادثة هي مثال عابر لحوادث كثيرة وجرائم متعددة ترتكب في حق تلك الفئات لا تقتصر على مستوى المجتمع المحلي، ولكن على المستوى العربي وصل مستوى الجريمة حتى إلى حد بيع أعضاء المريض دون علمه، ونشر ذلك في إحدى الفضائيات، والطامة الكبرى أن هؤلاء في النهاية لديهم اختلال واضح في الجوانب الإدراكية، ولكن ما هو الحل؟! إن مثل هؤلاء هم أمانة في أعناق أسرهم وفي أعناق تلك المراكز والمستشفيات، ولا أعتقد أن القضاء على مثل تلك الحالات سيكون إلا إذا كانت هناك عين رقيبة ترصد حتى أبسط طرق التعامل مع أولئك البشر على مستوى واسع مثل كاميرات الرقابة الداخلية المشددة المرتبطة بنظام شامل، التي ربما لو فعلت على مستوى العالم ستقي المرضى الاستغلال النفسي والجسدي أكثر من الضمير الذي دفن عند البعض وانتهى.