حُسن الظن الإيماني يدحض «التمائم»
يمكن اعتبار هذه المقالة حلقة ثالثة في رحاب «قانون الظن الإيجابي» الداعي إلى التفاؤل، الذي يمكن أن نطلق عليه: «حُسن الظن الإيماني»، في خضم محاربة سوء الظن والتطير والتشاؤم المستعرة أينما كان! وللتمائم في هذا المجال جولة وصولة، التي تعني: كل ما عُلِّق، لجلب خير أو لدفع شر متوقع حصوله، من مرض أو عين أو رفع شر وقع فعلا! سواء كان المُعَلَّق خرزات اشتهرت العرب بتعليقها على أولادهم، يتقون بها العين في زعمهم، أو أخشابا أو خيوطا أو أوراقا أو غير ذلك مما نجده في بعض مجتمعاتنا، وتُعَلَّق أيضا على الدواب وأبواب المنازل وغرفها! فالتمائم، كما التطيّر، شرك، كما يقول ابن الأثير، لأن المُعَلِّقين أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم، فطلبوا دفع الأذى وجلب الخير من غير الله وتعلقت بها قلوبهم!
دخل عبد الله بن مسعود ـــ رضي الله عنه ـــ على امرأة فرأى عليها خرزا من الحمرة فقطَّعَه قطعاً عنيفاً، وقال: «إننا ـــ آل مسعود ـــ عن الشرك أغنياء، فقد كان مما حفظنا عن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: إن التمائم والتِّولة شرك» (الحاكم)، والتولة شيء يُعَلَّق على الزوجين يزعمون أنه يحببهما ببعضهما البعض!
أما التمائم التي تحمل آيات قرآنية فمنتشرة في معظم المجتمعات الإسلامية، منها ما يُكتب ويوضع في جلد صغير، ومنها مصاحف بحجم صغير توضع في الجيب أو السيارة، ومنها منقوش على قطع ذهبية أو فضية تُعَلَّق في أعناق الصبيان أو النساء أو في السيارات، وغير ذلك من الصور المختلفة، وهذا النوع من التمائم وإن اختلف العلماء فيه، إذ منهم من حرَّمه ومنهم من أجازه بشروط «معقدة»، إلا أن النَّهي هو الغالب لورود التحريم، واستئناسا بالقاعدة الأصولية القائلة: إن العام يبقى على عمومه حتى يرد دليل بالتخصيص، والرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: «من علق تميمة فقد أشرك» (أحمد). كذلك المتتبع للسُنَّة يجد أن جميع الأحاديث الواردة وردت بلفظ: «من قال كذا أو من قرأ كذا»، ولم يرد في حديث واحد: «من كتب كذا أو علق كذا».. ولو كفانا تعليق القرآن مع الأذكار لما قرأنا، ولتعلقت قلوبنا بالتمائم التي إن نُزعت منّا لدبَّ فينا الخوف من حصول مكروه! وهنا يُصبح التعلّق بأوراق وجلود جامدة لا تأثير لها، ولم نجد لها دليل شرعي يثبت منافعها، تعلق بالوهم والشرك! ثم إن المُعَلَّق من الآيات لا بد أن يُمْتَهَن في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك.
وإذ ضربنا بعض الأمثال، نجد مجتمعات إسلامية انتشر فيها تعليق التمائم على السيارات، فمن يشترى سيارة يُسارع إلى لصق عجينة على مقدمتها ألصق بها حبات زجاج تمثل أعين زرقاء كتميمة، ومنهم من يجمع مع ذلك حدوة الحصان.. وكل ذلك لإبعاد العين والحسد والشر! وهذا أيضا، بالتحديد، ما تفعله العروس في هذه المجتمعات، في امتحان رهيب مخيف، حيث تُعطى، العروس، العجينة للصقها على باب منزلها الزوجي قبل دخولها إليه، فإن استقرت من أول «لصقة» كان خيراً، وإلا فذلك يعني الشؤم بالنسبة إلى استمرار هذا الزواج! أما العريس فعليه أن يطبع أصابعه الخمسة مبللة بدم على الجدران الخارجية لمنزله صبيحة ليلة الدخلة كمؤشر على فحولته وعذرية عروسه! في عمل مشين لا يراعي أحكاما شرعية ولا إنسانية أبسطها الحياء! وكذلك «دبلة الزواج» التي «يجب» أن توضع في يد الزوجين، فإذا ألقاه أحدهما فذلك الشر المستطير وخراب «بصرة» الزواج، لا بل في تشبّه واضح بعادات النصارى! أما «حدوة الحصان» فمنتشرة في البيوت والمحال، إذ تعد من أساسيات استقرار وهناء العائلة والمجتمع ونمو الاقتصاد!
وعلى أي حال، يقول بعض العلماء: إن من يُعَلّق شيئا يتوسل به من دون الله فهذا شرك أكبر، أما إذا اعتقد أن المُعلّق سبب للسلامة من العين فهذا من الشرك الأصغر، ولكن، في نهاية الأمر، كلاهما شرك! ليطرح السؤال نفسه هنا: لماذا نُعَلّق مصائرنا، سلبا وإيجابا، بشرك أكبر أو شرك أصغر من أوراق ومنحوتات وثنية لا تملك ضرا ولا نفعا، والله سبحانه وتعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)؟!