الإعلام التنموي والوعي العام

كل ما اطلعت على التقارير والاستطلاعات الإعلامية وعلى المقالات اليومية في صحفنا أصل لنتيجة واحدة مفادها أن معظمها يكتب دون وعي عميق بالقضية أو الموضوع أو المشكلة أو الحدث الذي تتطرق له، الأمر الذي يجعلها تشكل وعيا خاطئا بالمحصلة، إذ لا يمكن لمن يكتب دون وعي عميق أن يشكل وعيا، بل إن الأمر أبعد من ذلك إذا ما قارنت ما تراه من الأعمال التلفزيونية والسينمائية الغربية مع تلك التي ينتجها العرب، نعم هناك فرق شاسع بين منتج قائم على الفكر العميق ويؤدي غرضه بالتسلية والترفيه والإخبار وآخر قائم على الانطباعات الشخصية والتهريج ويؤدي غرضه الترفيهي ولكنه بآثار سلبية مؤلمة.
لا أخفيكم توصلت إلى حقيقة مفادها أن معظم الإعلام الذي نتعرض له ليس إعلاما تنمويا بل هو خلاف ذلك تماما من وجهة نظري، بل إنني أصبحت أعتقد أن إعلامنا لا يعتقد أن له دورا تنمويا بتاتا فالمضامين التنموية قد غابت في أغلب وسائلنا الإعلامية، ولم تأت حين تأتي إلا في آخر الاهتمامات، الأمر الذي يجعلها تقدم بطرق طاردة وغير جاذبة.
من الواضح أن دغدغة عواطف القراء والمشاهدين وإشباع حاجاتهم من الترفيه والتسلية تطغى على المضامين الإعلامية والتي يأتي بعضها وكأنه مضامين تنموية لكنها بكل تأكيد مضامين تعطل عملية التنمية بكل ما تعنيه الكلمة خصوصا إذا أخذت منحى طرح المشكلة بطريقة تتوافق وهوى الذين يعانونها وتصوراتهم وتبرئتهم تماما من دورهم في المشكلة وتحميل الأطراف التي يرغبون تحميلها أسبابها حتى وإن كانت غير معنية بها بشكل مباشر، بل إن بعضها غير معني بها حتى بشكل غير مباشر، وكلنا يعرف أن التحليل غير المنطقي والتشخيص الخاطئ المبني على هذا التحليل لن يولد حلا ولكنه يولد مشكلة إن لم تكن مشاكل جديدة.
الإعلام التنموي الذي استحدثه الباحث ويليبر شرام الذي وضع كتابا عنوانه وسائل الإعلام والتنمية، حيث بحث في دور الإعلام التنموي وأهميته في إحداث التحول الاجتماعي والتغير والتطوير والتحديث، وبشكل عام الإعلام التنموي الفعال يعني وضع النشاطات المختلفة التي تطلع بها وسائل الإعلام في مجتمع ما في سبيل خدمة قضايا المجتمع وأهدافه العامة بما يتفق مع أهداف الحركة التنموية ومصلحة المجتمع العليا، وإذا كان الأمر كذلك فهل لدينا إعلام تنموي؟! أعتقد من وجهة نظري لا، وقد أكون مخطئا، وأعتقد أن دراسة يجب أن تقوم بها وزارة الإعلام للوقوف على ذلك.
نعم يجب أن نعرف فيما إذا كان لدينا إعلام تنموي بناء أو لدينا إعلام خلاف ذلك ويلعب دور الهدم في حين يظن القائمون عليه أنهم يحسنون صنعا، نعم علينا أن نعرف ذلك لأهمية الإعلام الجماهيري بالتنمية من حيث تصحيح المفاهيم عن تنمية المجتمعات والقائمين عليها, وتقديم صورة حقيقية عن أهدافها ومشروعاتها ونشاطاتها، لأن عملية تنمية المجتمع دون الإعلام عنها, وتعريف أفراد المجتمع بعملياتها ومراحلها ستظل مجهودا دون جدوى, ولن تتحقق أهدافها كوسيلة لتحقيق المشاركة المجتمعية في اتخاذ القرارات التي تمس شؤون حياتهم، بل إن الأمر قد يكون خلاف ذلك، حيث يعارض المجتمع خطط تنميته دون وعي.
نحن في المملكة العربية السعودية ونحن نعيش تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية نحتاج اليوم إلى إعلام تنموي واع بتلك التحولات وواع بدوره المهم والحيوي في دعم جهود حكومتنا الرشيدة لتحقيق الأهداف التنموية، نعم نحن بحاجة إلى إعلام واقعي في الأسلوب والطرح واضح يقول الحقيقة بصدق، كما هي ويستند إلى حجج وبراهين منطقية في إقناع الناس لكي يحظى بالقبول والاستحسان من قبل أفراد المجتمع بقدر ما يلامس الواقع ويعبر عن همومهم ومشاكلهم وطموحاتهم الفعلية.
وبكل تأكيد يعلم المحترفون العاملون في وسائلنا الإعلامية أن الإعلام التنموي له قدرات كبيرة في خلق مناخ ملائم للتغيير نحو الأفضل بما يتناسب والمعطيات الحالية والتوقعات المستقبلية، وتعليم المعارف الجديدة، والمساعدة في خلق القيم الجديدة وتحقيق الانسجام بين أفراد المجتمع، وتعزيز الشعور بالمواطنة، وجعل أغلب الأفراد يتعرفون على أهميتهم وقيمتهم مما يزيد نشاطهم بما يرفع مستويات طموحاتهم لتحفيزهم على العمل والإنجاز والإبداع وجعلهم أكثر ميلا للمشاركة في صناعة القرار ومستقبل البلاد.
وإذا كان الأمر كذلك ونحن في بلادنا نعاني واقعا اجتماعيا وثقافيا معيقا للتنمية بطريقة أو بأخرى، الأمر الذي جعلنا لم نستطع إلى الآن رغم مرور أكثر من 40 سنة على الطفرة الاقتصادية الأولى من تنويع مصادرنا الاقتصادية والتحول من الرعوية إلى التنافسية الاقتصادية في حين استطاعت دول أقل منا مالا تحقيق طفرات اقتصادية كبيرة في أقل من 20 سنة، أعتقد أننا وفي ظل توفر وسائل الإعلام المتطورة وتوفر شبكة الإنترنت السريعة في بلادنا والتي بدأت تنتشر بشكل كبير بات من الضروري أن يلعب الإعلام دوره الاجتماعي من خلال تحويل وتعديل موقف الناس وتصرفاتهم إزاء مسائل ومواضيع التحديث والتطوير لا سيما عملية الإصلاح الاقتصادي التي يقودها خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، وما يتبعها من إصلاح في الإدارة وإصلاح في التعليم وإصلاح في القضاء وتطوير التشريعات والأنظمة والإجراءات ومحاربة الفساد. ختاما أود أن أؤكد على قضية مهمة آمل أن ينتبه لها القائمون على الأجهزة الحكومية والمنشآت الخاصة والمؤسسات المدنية والقائمون على الوسائل الإعلامية وشركات الإنتاج الفني، وهي قضية توسيع الآفاق الفكرية عند الناس حيال كل قضية أو مشكلة أو خطة أو برنامج أو مبادرة، فالناس لا يتحمسون لأي نشاط في أي تجاه كان دون أن تعرف الجذر أو الإطار الفكري الذي تعمل به هذه الجهة أو تلك، وأتطلع لتعاون وتكامل مثمر وبناء بين أذرعة التنمية (حكومي، خاص، مدني) والوسائل الإعلامية لتوسيع الآفاق الفكرية لدى المواطن السعودي ليدرك ماذا يدور حوله ليلعب دوره في دعم الاتجاهات الإيجابية عن وعي وإدراك وإلا سيبقى الوعي العام ليس على ما يرام ويصبح المواطن عائقا للتنمية من حيث لا يشعر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي