كيف تصبح مليونيراً؟

أكثر من 1950 آية من آيات القرآن الكريم تحث وتدعو إلى العدل والمساواة، وإلى فضائل الأخلاق، وإلى حفظ الوقت واحترامه، وإلى حسن التعامل مع النفس والزوج والجار والآخرين، وإلى حفظ المال العام وحمايته، وإلى رعاية وحفظ الأمانة بأنواعها، سواء في المال العام أو العمل أو في البيت وغيره، وإلى تحمل واحترام المسؤوليات وأدائها على أحسن وجه، وإلى احترام العقود بأنواعها، سواء عقود العمل أو المشاريع وغيرها ''إن الله يأمر بالعدل'', ''وأمرت لأعدل بينكم'', ''أن تحكموا بالعدل'', ''اعدلوا هو أقرب للتقوى'', ''وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا'', ''يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود''. وفي جل القرآن أيضاً والأحاديث القدسية، نهى الله وحذر من الظلم ونقض العهود والكذب وخيانة الأمانة وسرقة المال العام والخاص ''يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظّالموا'', ''كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته'', ''إن الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تبرأ الله منه''. في تطبيق هذه التعاليم الشرعية، تجد بعض المسلمين في تناقض كبير، فمنهم من يعطي جل اهتمامه لأداء الصلاة مع الجماعة وفي أوقاتها ولأداء الصوم وغيرها من الشعائر الدينية، هي لهم عادات لا عبادات، وأما في أمور المعاملات والدنيا فشأن آخر، فالحكم أنفسهم والله لا يراهم ولا يحاسبهم، ولهم أن يصبحوا مليونيرات في يوم واحد، ومن عملية واحدة، فهذه شطارة ومهارة.
عجيب أن يركز البعض في تعاملاته على حق الله، ويترك حق الناس والوطن، عجيب أن يراقب البعض ويدعو الله في المسجد ويتناساه في العمل والمعاملات، عجيب أن تتحول المبادئ من ''الحلال بين والحرام بين'' و''مال سحت'' إلى ''الحلال ما حل بيدك''، عجيب ألا يفرق البعض بين المال العام والمال الخاص، عجيب أن ترى البعض وقد أصبح مليونيراً وبعضهم مليارديراً بين عشية وضحاها دون أن يسأل ''من أين لك هذا؟''، عجيب أن ترى البعض همه جمع المال من أي مصدر وصرفه كيفما وأينما اتفق، عجيب أن ترى الأخلاق الحميدة تندثر، بينما تنتشر العادات والسلوكيات اللاأخلاقية، عجيب أن يتهرب بعض المسؤولين من مسؤولياتهم بدعوى تفويض الصلاحيات، عجيب أن ترى بعض الموظفين يخاف من مديره أكثر من مخافته لله ومستعد لعمل أي شيء، ولو كان محرماً لنيل رضا رئيسه، عجيب أن ترى عمالاً في وطننا أصبحوا رجال أعمال، وأولادنا يبحثون عن عمل لديهم بحجة تشجيع الاستثمار الأجنبي، عجيب أن ترى أعداد المليونيرات في بلدنا تتزايد وأكثرهم أجانب، عجيب أن ترى فرص عمل حقيقية متاحة للأجنبي ومحرمة على المواطن.
ومن المؤلم أن نسمع عن مخالفات مالية وإدارية هنا وهناك، ومن المؤلم أن نرى تعثر وفشل بعض المشاريع، لكنه ليس مؤلما, بل إنه محبط وقاتل, ألا نرى عقوبات رادعة لمن يقوم بتجاوزات ومخالفات مالية وإدارية، ومحبط وقاتل أن نرى مقالات تنشر حول هذه الممارسات، وهذه الجهات التي يسري فيها هذا المرض، ولا تتم معاقبتها، ومحبط وقاتل أن يستمر ويصر هؤلاء المخالفون على مخالفتهم بكل ثقة ولسان الحال يقول ''لا يوجد أحد يمنعنا'' و''لا يهمنا ما تكتبه الصحافة''، وكيف لا يتبجحون بهذا فمن ''أمن العقوبة أساء الأدب''، ومن المحبط والقاتل أن ترى البعض, خصوصاً الشباب منهم يرى في هؤلاء المفسدين القدوة والمثل، وكيف لا فهذا ''أسهل طريق لتكوين ثروة''.
وكنا وما زلنا ننظر ونأمل أن يكون للجهات الرقابية ومنها مجلس الشورى وديوان الرقابة العامة ووزارة المالية وهيئة الرقابة والتحقيق ووزارة الاقتصاد والتخطيط دور في محاربة الفساد المالي والإداري، وهي جهات قدر لها أن تكون ساعد وعضد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيزـــ حفظه الله ـــ في مراقبة ومتابعة وحفظ المال العام، فالمؤمل والمطلوب منهم من قبل خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ والوطن والمواطن, أن يقوموا بواجباتهم الرقابية على أكمل وجه وأداء الأمانة الملقاة عليهم، مع التأكيد على أن مؤشرات حسن أدائهم لا تتمثل في حجم العمل الذي يقومون به, أو عدد التقارير التي يطلعون عليها أو يعدونها, إنما في معدل انخفاض الفساد المالي والإداري، وانتشار وتطبيق ثقافة حماية المال العام ومعاقبة المسيئين للمال العام بقدر ما نكافئ المحافظين على المال العام. أما تعذر بعض هذه الجهات الرقابية بسلامة الأوراق والمستندات في حالة وجود شبهة فساد مالي، فهي حجة مرفوضة، لأن دلائل ومؤشرات الفساد المالي والإداري لا تعتمد فقط على وجود خلل في المستندات والاعتمادات الورقية, بل على وجود أدلة أخرى مادية مثل تضخيم أسعار المشاريع، وتضخيم الرواتب، وعدم وجود مشاريع حقيقية ومنافع شخصية، وهي الأهم والأولى في التحقيق من البحث في الأوراق والمستندات، التي غالباً ما تكون سليمة ودقيقة, خصوصاً في حالة وجود اختلاسات وفساد مالي وإداري.
يقول الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ ''ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا''، ويقول الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ''إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد, وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد (وكانت أعز وأغلى الناس لدى الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم) سرقت لقطعت يدها''، كما قام عمر بن الخطاب ـــ رضي الله عنه ـــ بعزل خالد بن الوليد (سيف الله المسلول) ليحقق معه حول سوء استخدام صلاحياته ''من أين لك هذا؟''. عند انتشار الظلم وعدم العدالة، يتغير حال الناس، وتضيع القيم والأخلاق، ويقل الولاء والصدق، ويصبح البعض يبحث عن مصلحته الشخصية حتى لو كانت على حساب القيم والأخلاق، وهي الوطن.
وللحديث بقية...

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي