استقرار الأسرة بين «الانفصال النفسي» و«عزوبية الأزواج» وغيرها

عندما نسير في الشارع و ننظر إلى المنازل عن طريق الصدفة فإن عنصر التخمين من الممكن أن يسعفنا في تقدير تقريبي لعدد الأسر التي تقطن منزلا ما، فهناك منازل نتوقع أنها تضم أسرة، وهناك منازل ربما نتوقع أنها تضم أكثر من ثلاث أو أربع أسر لكن من البديهي أنه كلما انخفض المستوى الاقتصادي ارتفع الرقم المقدر لعدد الأفراد الذين يقطنون تلك المنازل واختلفت أعمارهم ولكن ليس الرقم بأكثر أهمية من قياس عامل الاستقرار أو ما يسمى «بالأمن النفسي» داخل المنزل ولكن للأسف تلك الأمور لا يمكن تقديرها عشوائيا بل هي تحتاج إلى أبحاث ودراسات تحمل إحصائيات معينة تبررها عوامل بحثية واضحة، ففي أبحاث نشرت نتائجها أخيرا وجد بأن نسب الطلاق في المملكة ارتفعت لتصل إلى نسبة 60 % في عام 2007م، بمعنى أن أكثر من نصف الأسر في المملكة تعاني مشكلة الطلاق، ولهذه المشكلة أسباب متعددة تنطلق من زوايا مختلفة، فبعض الأسباب تكون من الزوج وبعضها من الزوجة وبعضها من المحيط الاجتماعي، وأيا كانت الأسباب ففي النهاية يظل عنصر الاستقرار غائبا عن تلك الأسر وهو العنصر الأهم في بناء أفراد صالحين يعيشون بصورة إيجابية ويطمحون إلى الأفضل.
ولعل الطلاق هو الدرجة الأعلى في التفكك الأسري فيزيقيا وربما لا يكون هو الأعلى نفسيا. إذ في عدة دراسات ثبت أن هناك نسبة عالية من الأبناء عندما خيروا بين طلاق والديهم وانفصالهم وبين مكوثهم معهم فضلوا الاختيار الأول نظرا لأنه كما وصفوه بأنه «الأقل من حيث التصادم والخلاف اليومي»، إضافة إلى أنه يوفر أمامهم فرصة تحقيق نوع من «الهدنة المؤقتة» بعيدا عن شعورهم بفوبيا العنف الأسري وذلك من خلال اختيار المعيشة مع أحد الوالدين، ولكن في النهاية تظل الحصيلة التربوية في كلتا الحالتين غير جيدة النتائج، أما الحالة الثالثة هي أن تكون الأسرة أكبر ما يوطد علاقتها هو جدران المنزل ولا شيء غير ذلك. إذ لا عاطفة تصل إلى حد الحب أو المسؤولية، وبالتالي لا يوجد أي سلوكيات تذكر لتطلق رسائل بوجود تلك العاطفة بين أفراد المنزل، بل إن ما يعيشون فيه هو مكان يجمعهم ربما لتناول الطعام أحيانا والنوم مثلا، وهذا ما يطلق عليه «الجمود العاطفي الأسري»، وهو يورث إلى الأبناء ليس عن طريق الجينات كوراثة الشعر البني والعينين العسليتين، ولكنه يورث إلى الأبناء عن طريق التقليد، فعندما لا يتفقد الآباء أبناءهم على وجبة العشاء مثلا فإن الأبناء لا يتفقدون آباءهم ربما خلال النهار بأكمله، وفي علم النفس يشار إلى وجود العواطف كنوع من الفطرة، ولكن ليس صعبا أن تطمس أجزاء من تلك الفطرة من قبل المحيط الاجتماعي القاسي الذي يجعلنا ننظر إلى الآخرين على أنهم أجساد بلا أرواح أو مشاعر، ولعل عزوبية الأزواج والتي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة مثال على ذلك، حيث تنشغل الزوجة بالذهاب لأهلها طوال اليوم مع إهمال الزوج تماما، وتعتبر أن المنزل هو مكان للنوم فقط، هذا إن لم تقض ليال طويلة بلا سبب في النوم عند الأهل وبلا مبرر.
أما الحالة الرابعة، فهي تشير إلى أسرة تتبادل مشاعر الحب والاحترام وتتدرج تلك المشاعر لتختلف من أسرة إلى أخرى وفق درجات العاطفة إلا أن أقل الدرجات في تلك العاطفة إنما يوفر عنصر «الأمن النفسي» أو ما أطلق عليه سابقا الاستقرار, وهذه الأسر هي التي تعرف وتدرك أهمية بناء الفرد وأهمية توجيهه للجوانب الارتقائية لذاته ولبيئته ومجتمعه لأن تلك الأسر يدرك أفرادها كيف ينشئون أوعية لاحتواء مشكلاتهم وكيف ينفسون عن تلك المشكلات، ولعل أهم ما وجدته الأبحاث أن أكبر عنصر يحقق البيئة الأسرية السليمة هو شعور أفراد تلك الأسر بالمسؤولية بعضهم تجاه بعض, وعوامل أخرى منها القدرة على تعدد الأدوار داخل الأسرة، الاتزان في تقدير الذات وغيرها من العوامل التي ترتقي بالأسرة وتوفر الحياة الجيدة للأبناء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي