حاول أن تكسر الحلقة
مضى عشر سنوات على زواج ليلى وصالح، لكنهما يتشاجران في كل مرة يحتاجان فيها إلى اتخاذ قرار مهم في حياتهما، تتهم ليلى صالحا بأنه مستبد برأيه، ولا يبدي اهتماما لما تفكر به، وحين تقترح أي احتمالات أخرى يصبح متسلطا ويأخذ موقفا هجوميا ضد آرائها، وتود لو يصبح أكثر تفهما لما تقدمه من مقترحات، أما صالح فقد شرح مشكلته، وقال: ''كلما كان لدينا قرار نتخذه كان عليّ أن أبدأ أولا بعرض وجهة نظري؛ لأن ليلى لا تعرف ماذا تريد بالتحديد، وحين أنتهي من عرض فكرتي تبدأ في مهاجمتها ونقدها؛ فأدافع عن وجهة نظري وينتهي الأمر بالشجار، وأتمنى لو تتوقف عن مهاجمة أفكاري''.في مجادلة كهذه يمكن أن تستمر الأمور لوقت طويل بالمشكلة نفسها كما هي، ومن الخارج نرى أنهما يدوران في حلقة مفرغة وأن هناك شيئا شريرا يحافظ على استمرار ذلك الدوران المتعب والمدمر للعلاقة، فكلاهما يتوقع من الآخر أن يتصرف بصورة معينة، وبالتالي يتبنى كل منهما وجهة نظره كترياق، لكن تأمُّل الأمر من الخارج يكشف أن هذا ليس الترياق على الإطلاق، وإنما هو الداء، وكل منهما لا يحتمل مناقشة موقفه وهو ما يحافظ على استمرار الحلقة بقوة، والأمر يشبه لعبة ذات قوانين مخيفة، ولا بد لك من الاستمرار في اللعب لعدم وجود إرشادات لكيفية الخروج أو وقت لتغيير القواعد.
حين ننظر من الخارج نجد أن ليلى وصالح يتقاسمان الأسلوب الخاطئ نفسه في التفكير، بمعنى أن كليهما يعتقد أن تصرفاته هي رد فعل للآخر، وأن الآخر هو الذي يبدأ العملية برمتها، وهكذا يتمنى كل واحد منهما أن يتغير الآخر حتى تصبح الأمور على ما يرام، وكلاهما لديه نصف الصورة ونصف الحقيقة، لكن امتلاك نصف الحقيقة فحسب قد يكون مضللا مثله مثل الكذب بالضبط، ونقطة التحول في هذا النوع من الشجار هي الخروج من الحلقة والنظر للموقف من الخارج، وذلك بأن نسأل السؤال الأساسي: ما الذي يمنع الموقف من التغيير؟
أولا لكي تبقى الحلقة كما هي يستمر كل طرف بدوره في اللعبة، ولو أن واحدا تصرف بصورة مختلفة ستنكسر الدائرة، وإن كلا من ليلى وصالح يستجيب للآخر، ولكي يحدث التغيير يجب على أحدهما أن يخرج خارج الحلقة ويتساءل عن الهدف الأساسي للحوار وهو الحفاظ على علاقتهما وتحسينها، وبعد ذلك يستطيعان تغيير النقاش إلى مستوى مختلف.
إن الدوران في تلك الحلقات المقيدة مثلما حدث مع ليلى وصالح يمكن أن يستمر ويتصاعد بشكل متواصل حتى يصل للعنف؛ لأن كل طرف حبس نفسه داخل منظوره ولا يرى الموقف إلا من خلال وجهة نظره، وبالطبع فإننا نرى أن ما نفعله هو الصواب والمنطقي تماما، لكن من وجهة نظر الشخص الآخر قد يبدو ما نفعله خاطئا أو غريبا للغاية. وقد تكون أنت جزءا من هذه الحلقات المقيدة، حيث تستجيب أنت والطرف الآخر لما يقوله أو يفعله أحدكما للآخر، ولو حاولت يوما أن تكسر الحلقة تتفقد موقع الآخر باهتمام واحترام فستكسر الحلقة وترى الأمور بمنظور أوسع يساعدك على تطوير العلاقة.