كيف ندفع للمصرفيين دون تحمُّل خسائر؟

تبنَّى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أخيرا سياسة يعمل بموجبها المشرفون على أعمال البنوك، وهم الأوصياء على سلامة وصحة النظام المالي، على مراجعة هياكل التعويضات والأجور التي يحصل عليها المسؤولون التنفيذيون عن البنوك. وتفكر السلطات في بلدان أخرى في تبني برامج مماثلة.. لكن ما الهياكل التي يتعين على الجهات القائمة على التنظيم أن تسعى إلى تشجيعها؟
من المسلم به على نطاق واسع الآن، أن مكافأة المصرفيين عن النتائج الطويلة الأمد تشكل أهمية واضحة، أما مكافأة المصرفيين عن النتائج القصيرة الأمد، حتى ولو انعكس اتجاه هذه النتائج في وقت لاحق، فمن شأنها أن تولد الحوافز للإفراط في خوض المجازفات.
بيد أن ربط تعويضات المسؤولين التنفيذيين بالنتائج الطويلة الأمد لا يزودنا بالإجابة الشافية فيما يتصل بالتحدي الذي يواجه الشركات والجهات التنظيمية، ويظل السؤال قائما: النتائج الطويلة الأمد بالنسبة إلى من؟
إن نظام التعويض الذي يتألف من أوراق مالية، وما يصاحب ذلك من هياكل رأس المال القائمة على الاستدانة من البنوك، يربط تعويضات المسؤولين التنفيذيين بالرهان على قيمة الأصول التي يمتلكها البنك. وكما أوضحنا أنا وهولجر سبامان في بحثنا، فإن التعويضات المقدمة إلى المسؤولين التنفيذيين لا بد أن ترتبط بالقيمة الطويلة الأمد المسلمة ليس فقط لحاملي الأسهم، بل وأيضا لغيرهم من المساهمين في رأسمال البنوك، وكما هي الحال الآن فإن المسؤولين التنفيذيين عن البنوك يتوقعون الحصول على حصة في أي مكاسب قد يفوز بها حاملو الأسهم العاديون، لكنهم معزولون عن العواقب التي قد تفرضها الخسائر الناتجة عن اختياراتهم على حاملي الأسهم المفضلين، أو حاملي السندات، أو المودعين، أو الحكومة باعتبارها ضامنا للودائع.
إن عزل المسؤولين التنفيذيين عن الخسائر التي يتحملها أصحاب المصلحة، باستثناء حاملي الأسهم من شأنه أن يؤدي إلى تشجيعهم على الدخول في استثمارات وتحمل الالتزامات التي تعمل على زيادة احتمالات وحجم الخسائر التي قد تتجاوز رأسمال حاملي الأسهم، فضلا عن ذلك، فإن مثل هذا العزل يعمل على تثبيط الرغبة في جمع رؤوس أموال إضافية، وهو ما يحض المسؤولين التنفيذيين على إدارة بنوكهم بالاستعانة بمستويات من رأس المال لا تكفي لحماية حاملي السندات والمودعين من الخسارة. وكلما كان رأسمال البنوك أقل كفاية كانت مثل هذه التشوهات أكثر حِدة ـ وارتفعت التكاليف المتوقعة الناتجة عن عزل المسؤولين التنفيذيين عن الخسائر المحتملة التي قد يتكبدها أصحاب المصلحة من غير حاملي الأسهم.
ولكن كيف يمكن إعادة تصميم ترتيبات التعويض والمكافآت بهدف معالجة هذه المشكلات؟
ما دامت تعويضات المسؤولين التنفيذيين مرتبطة بقيمة أوراق مالية محددة، فمن الممكن ربطها بسلة أوسع من الأوراق المالية، وليس فقط الأسهم العادية.
هكذا، وبدلا من ربط رواتب المسؤولين التنفيذيين بنسبة مئوية محددة من قيمة الأسهم العادية للبنك، فيمكننا ربط الرواتب بنسبة محددة من القيمة الإجمالية للأسهم العادية، والأسهم المفضلة، وكل السندات الممتازة التي يصدرها البنك. ولأن هيكل التعويضات هذا من شأنه أن يعرّض المسؤولين التنفيذيين لحصة أوسع من العواقب السلبية المترتبة على المجازفات التي يخوضونها، فإنه بهذا يساعد في الحد من الحوافز التي قد تدفعهم إلى الإفراط في خوض المجازفات.
رغم ذلك، وفي حين قد يقود هيكل التعويضات هذا المسؤولين التنفيذيين إلى استيعاب مصالح حاملي الأسهم المفضلين وحاملي السندات، وبالتالي تحسين الحوافز، فإنه لن يكون كافيا لحث المسؤولين التنفيذيين على الاستيعاب الكامل لمصالح الحكومة باعتبارها ضامنا للودائع. ولكي يتم هذا فمن الممكن أن نجعل تعويضات المسؤولين التنفيذيين مشروطة بالتغيرات الطارئة على قيمة سندات مقايضة العجز عن سداد الائتمان التي يحتفظ بها البنك، والتي تعكس احتمالا، مفاده أن البنك قد لا يكون لديه رأس المال الكافي للوفاء بالتزاماته الكاملة.
ولا بد، فضلا عن ذلك، من إعادة تصميم المكافآت. في الماضي كانت مكافآت المسؤولين التنفيذيين عن البنوك تستند عادة إلى تدابير محاسبية تضع في الحسبان في المقام الأول مصلحة حاملي الأسهم العادية، مثل العائد على السهم أو مكاسب السهم العادي. وفي المستقبل، يتعين على البنوك أن تفكر في تأسيس المكافآت على تدابير أوسع نطاقا، مثل الأرباح قبل تقديم أي مدفوعات لحاملي السندات.
إن الإقرار بقيمة ربط تعويضات المسؤولين التنفيذيين بالآثار المترتبة على أصحاب المصلحة من غير حاملي الأسهم نتيجة لاختيارات هؤلاء المسؤولين، يسلط الضوء على الدور المهم الذي تلعبه الجهات المنظمة للعمل المصرفي في هذا السياق. إن حاملي الأسهم العادية في الشركات المالية ليس لديهم الحافز إلى حث المسؤولين التنفيذيين على الأخذ في حسبانهم الخسائر التي قد تفرضها المجازفات على حاملي الأسهم المفضلين، وحاملي السندات، والمودعين، ودافعي الضرائب. وبالتالي فإن تحسين الحوكمة على النحو الذي يحمل المديرين على التركيز بشكل أكبر على مصالح حاملي الأسهم لا يكفي كوسيلة يعتمد عليها في ربط تعويضات المسؤولين التنفيذيين بمصالح حاملي الأسهم، ومصالح غيرهم من غير حاملي الأسهم على السواء، وقد يكون التشجيع التنظيمي في هذا السياق مفيدا، بل وقد يكون ضروريا.
إن حَمْل المسؤولين التنفيذيين على الاستيعاب الكامل للخسائر المتوقعة، التي قد تفرضها اختياراتهم على المساهمين في رأس المال من غير حاملي الأسهم، أمر بالغ التعقيد.. لكن التحرك في هذا الاتجاه، ولو لم يتم على النحو اللائق تماما، يشكل تقدما حقيقيا. وتحفيز المسؤولين التنفيذيين على التركيز على التأثيرات التي قد تفرضها اختياراتهم على كل المساهمين في رأسمال البنك من شأنه أن يعمل بشكل ملحوظ على تحسين الحوافز التي قد تدفعهم إلى خوض المجازفات، وهذا من شأنه أن يسهم بالتالي في جعل نظامنا المالي أكثر أمانا.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2010.
www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي