عرض الصين بمنح البلدان النامية إعفاءً جمركيا كسب دبلوماسي
وعدت الصين في مختلف المحافل الدولية بأن تمنح امتيازات تجارية للبلدان الأقل تطوراً. وقد اتخذت على هذا الصعيد قراراً مهماً منحت بموجبه إعفاءً جمركياً على 4762 منتجاً لثلاثة وثلاثين بلداً من البلدان الأقل تقدما. ويوجد معظم هذه البلدان في إفريقيا، لكن ثلاثة منها على الأقل من جنوب شرق آسيا، وهي بنجلادش، ونيبال وأفغانستان. وتعد هذه خطوة دبلوماسية ذكية من جانب الصين لن يكون لها كبير أثر في ميزانها التجاري مع هذه البلدان، ولكنها ستخلق ارتياحاً هائلاً لقوة صاعدة لها طموحات عالمية.
ومن بين البلدان الأقل تطوراً، تتوقع بنجلادش أن تحقق أقصى فائدة من هذه الخطوة. فهناك من يرى في بنجلادش أن هذه التسهيلات تشبه التسهيلات المقدمة لها من الاتحاد الأوروبي. فقد ساعدت التسهيلات التجارية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي بموجب سياسة ''كل شيء إلا الأسلحة'' المنتجات البنجلادشية على التمتع بالإعفاء الجمركي في 27 بلداً في الاتحاد الأوروبي. ولكن لدى إمعان النظر سيبدو أن هناك اختلافاً مهماً بين التسهيلات المقدمة من الاتحاد الأوروبي وتلك المقدمة من الصين.
يعتبر الاتحاد الأوروبي مستورداً رئيسياً لجميع أنواع الملابس البنجلادشية. وتأمل بنجلادش في أن تكرر الشيء نفسه مع الصين، وهو أمر لن يحدث. ذلك أن الصين منتج رئيسي للملابس. ولكن نظراً لزيادة تكاليف العمالة، أخذت قدرتها على المنافسة في مجال الملابس الرخيصة تتراجع. ونتيجة لذلك، بدأ المنتجون الصينيون يتجولون إلى سوق الملابس العالية الثمن. ويحرص الصينيون على استيراد الملابس الرخيصة فقط. وفي صناعة الملابس العالية الثمن، فإنهم يحتفظون بميزة تنافسية كبيرة، ومن غير المرجح أن تؤمن المنتجات البنجلادشية موطئ قدم لها.
وتأمل دكا أيضاً في أن تمكنها هذه التسهيلات من تضييق الفجوة التجارية مع الصين. فالصين هي أكبر شريك تجاري لبنجلادش. وكان اتساع الفجوة التجارية إحدى القضايا الكبرى بينها وبين الصين، وقد بلغ حجم هذه الفجوة أربعة مليارات دولار تقريباً في العام الماضي. ومن سوء الحظ أن الصادرات البنجلادشية إلى الصين ضعيفة للغاية.
في ظل هذا الوضع، لن يكون من السهل على بنجلادش أن تجسر هذه الفجوة رغم احتمال حدوث بعض الزيادة في صادراتها إلى الصين. ويأمل وزير تجارة بنجلادش في أن تعمل تسهيلات الإعفاء الكامل من التعرفة الجمركية على تعزيز صادرات بلاده إلى الصين بنسبة 25 في المائة. ويستدل من أكثر التقديرات تفاؤلاً من قبل رئيس جمعية شركات الألبسة والتصدير في بنجلادش فضل الحق، أن العرض الصيني سيؤدي إلى زيادة الصادرات البنجلادشية إلى الصين بضعفين أو ثلاثة أضعاف. ولكن حتى لو حدث ذلك، ستظل هناك فجوة تجارية كبيرة.
أما في حالة نيبال، فإن هذه الخطوة الصينية يمكن أن تؤثر في ديناميكية التجارة بين الهند ونيبال. ذلك أن الهند تعتبر وجهة رئيسية للمنتجات النيبالية. وقد بلغ حجم التجارة الكلي في نيبال في 2006 – 2007، 252 مليار روبية (ما يعادل 6 مليارات دولار) منها نسبة 63.2 في المائة مع الهند. ولكن مع هذه التسهيلات، لن يظل المصدرون النيباليون معتمدين بصورة رئيسية على الهند. فقد أصبحت لديهم الآن سوق ضخمة شمال بلدهم يترتب عليهم أن يكتشفوها.
إن العدد الأكبر من الدول الأقل تطوراً التي ستتأثر بهذه الخطوة الدبلوماسية الذكية موجود في إفريقيا. فحتى عام 2006، كانت الصين تقدم هذه التسهيلات للدول الأقل تطوراً في إفريقيا على 478 منتجاً فقط. ولكن بعد هذا الإعلان الأخير، وصل عدد السلع المعفاة كلية من التعرفة الجمركية إلى ما يربو على 4.700 سلعة.
غير أن البلدان الإفريقية تنظر بواقعية إلى هذا العرض. فهي تعتقد أن من المرجح أن تشجع الصين استيراد المواد الخام وغيرها من المنتجات التي تحتاج إليها لإدارة آلة نموها الاقتصادي السريع. فعلى سبيل المثال، في حالة كينيا، تستورد الصين حالياً الحديد الخام، والفواكه، والجوز وألياف السيزال، والجلود، والأسماك، والشاي الأسود، والبن والبضائع الجلدية. ويعني إلغاء التعرفة الجمركية على هذه المنتجات أن تكلفتها ستنخفض في الصين بنسبة تراوح من 3 إلى 30 في المائة - وهو المعدل الحالي للتعرفات الجمركية التي تفرضها البلدان الإفريقية على البضائع الخارجية.
عرضت الصين تقديم هذه التسهيلات في وقت تعتبر فيه في مركز مريح جداً. ففي حين نمت صادرات كينيا إلى الصين بخطى بطيئة جداً من 1.2 مليار شلن في عام 2005 إلى 2.5 مليار شلن في عام 2009، ارتفعت وارداتها ارتفاعاً كبيراً من 19.4 مليار شلن في عام 2005 إلى 74.5 مليار شلن في عام 2009. من ثم فإن عرض الإعفاء الكامل من التعرفة الجمركية سيغير هذه المعادلة بشكل طفيف فقط.
تحاول الصين في أعقاب الانهيار العالمي الأخير أن تعدل سياساتها الاقتصادية. وقد اتخذت بعض القرارات المحسوبة بعناية التي كانت تتلكأ في اتخاذها في الماضي.
وتحاول الحكومة الصينية أيضاً اتخاذ قرارات على صعيد السياسات بهدف تعزيز الاستهلاك المحلي لتقليل اعتماد الاقتصاد الصيني المفرط على
الواردات. ويأتي القرار بمنح البضائع التي تنتجها البلدان الأقل تطوراً إعفاءات جمركية في السوق الصينية منسجماً مع هذا الهدف. فالبلدان الأقل تطوراً متحمسة لأنها أمنت وصولاً أسهل إلى سوق ضخمة في وقت يمر فيه العالم بالركود. لكن الفوائد التي يتوقع أن تعود عليها قد لا تكون عظيمة بقدر الارتياح الدبلوماسي الذي ستحققه الصين.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: OPINION ASIA