«أناشدكم ونفسي أن نكون أكبر من جراحنا»
يقول سفير إحدى الدول العربية في أوروبا معلقا على مبادرة خادم الحرمين الشريفين في قمة الكويت: كنت أنظر وأتأمل اللقطات المنقولة على الهواء للقاء القمة، ثم قلت لمن يجلس معي، عندما ظهر خادم الحرمين الشريفين، لا بد أن ملك الإنسانية سيفعل شيئا؛ فلقد كانت السعودية على الدوام قلب العرب الأبيض. وصدق الظن الحسن للأمة كلها عندما خاطب قلب الأمة الكبير وعقلها الحكيم، قادتها وشعوبها، لفتح صفحة جديدة لتنقية القلوب من سواد الخلاف وآثاره. اختلاف الصف والفرقة لم تكن جديدة ولن تكون جديدة؛ إلا أن الأمل لا ينقطع؛ حيث يمارس قائد تاريخي دوره لا على أساس الوساطة المجردة؛ إنما الوسطية التي لم تنفك يوما عن سياسة وطني ورؤية قادته، هو قدر أمتي واقتدار وطني وقادته؛ كلما أوقدت نار الفتنة أو كادت، احتضن ملوكها أمتهم يداوون جراحها واجتراحها.
هو خادم الحرمين الشريفين يطل على لبنان والعالم العربي والإسلامي، وكل قاصدي الخير والسلام في العالم أجمع؛ ليقوم بدوره الاستثنائي والاستباقي منعا لحدوث الفتنة. الاستباق لفعل الخير ورأب الصدع، شعور القائد الذي آلمه ويؤلمه تفرق أمته وافتراقها، أليس القائل مخاطبا إياهم: ''أناشدكم ونفسي أن نكون أكبر من جراحنا''. هو يخاطب قلوب كل العرب والمسلمين وعقولهم؛ فقد سارت أمم الأرض إلى مواقع التقدم، وأمتنا تسير إلى مواطن الخلاف ومواقع العداوة، ندعي خراب البيت بأيدي أعدائنا، ونحن نفتح لهم ألف باب ونافذة ليخربوا بيوتنا بأيدينا. يشرب العالم، شرقا وغربا، من رحيق التوحد والاتحاد، ويقطع التخلف والفرقة أمعاؤنا.
يمثل لبنان أنموذج الخلاف؛ إذ تفترق الغايات وتجتمع المطامع على أرض محدودة المساحة واسعة التباين والتنوع؛ فيه الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب والإخوة لأم، فيه أبناء العمومة وأفراد القبيلة، فيه الأصدقاء وأعداؤهم، وفيه الأعداء وأصدقاؤهم، فيه وعليه عيون عدوة وعيون صديقة. بين طالبي الخير وبغاة الشر؛ يترنح هذا البلد ليشكل، بحق، نموذجا مصغرا لواقع أمة مضت بها السنين وتغير كل شيء عدا الاختلاف والتفرق؛ فقد بقيا وقود الفتنة في منطقة لا تكاد تنتهي من خلاف حتى يعصف بها اختلاف.
الوسطية السياسية وسياسة الخير الاستباقية هما بلسما جراح خلافاتنا؛ والمملكة إذ هي تقف على مسافة واحدة من كل المختلفين؛ فإنها على يقين أن الأمر لم يعد يحتمل أي تطورات سلبية في جسد تكاثرت أمراضه. دور علاجي ووقائي لمخاطر تتوالى على وطننا العربي؛ غير أن الوقاية في هذه الظروف أولى؛ إذ ترى المملكة أن الوقاية دوما خير من العلاج؛ خاصة أن التجارب تعكس ضعف استجابة جسدنا العربي للعلاج في حالات كثيرة، وحصول انتكاس في حالات أكثر.
خادم الحرمين الشريفين لم يختر، عندما أطل على لبنان يرافقه أخوه بشار الأسد، خصوصية المكان والنزاع؛ بل اختار أن يطل على كل خلافاتنا من المحيط إلى الخليج بروح التسامح والأمل. هو ـــ يرعاه الله ـــ يكمل مسيرته في لم الشمل ووسطية السياسة السعودية واعتدالها، إذ جالت طائرته العالم العربي من غربه إلى شرقه، كأنه يقول لهم: أنتم أولى بنبذ الفرقة والاختلاف؛ أليس عدوكم بين ظهرانيكم؟! ونرجو أنه كما لم يخب أمل كل العرب بخادم الحرمين الشريفين؛ ألا يخيب ظنه ـــ يحفظه الله ـــ بقادتهم؛ فالأمر إن لم يكن في الهاوية فهو على شفيرها.