«غزال1» .. وأولويات الإنفاق وتوجهات التنمية

أثار مشروع تخرج طلاب كلية الهندسة في جامعة الملك سعود ''سيارة غزال 1''، تساؤلات لدى عدد كبير من الاقتصاديين السعوديين، بما في ذلك رواد الرأي، بالذات فيما يتعلق بجدوى مثل هذا المشروع الطموح، في حالة اعتماده من قبل الحكومة، ليصبح خيارا وتوجها استراتيجيا نحو بناء صناعة للسيارات في المملكة.
هذه التساؤلات والاستفسارات، التي تدور في الأذهان، سببها الحاجة الملحة إلى المفاضلة بين أوجه الإنفاق والاستثمار في المشاريع والصناعات المختلفة، وفقاً للأولويات واحتياجات التنمية في المملكة، وتوجهاتها لإشباع حاجات تنموية حاضرة ومستقبلية، لا سيما أن صناعة السيارات على مستوى دول العالم المتقدم، تواجه بوابل من التحديات والصعوبات، ولا سيما أعقاب الأزمة المالية العالمية، التي تسببت في مضاعفة المتاعب والمشكلات، التي تعانيها صناعة السيارات على مستوى العالم، التي من بينها على سبيل المثال، احتدام المنافسة بين شركات السيارات، وانخفاض الطلب العام على السيارات، وظهور عيوب تصنيعية، أرغمت عددا من صانعي السيارات على مستوى العالم، على استرداد عدد كبير من السيارات لإصلاح العيوب، ما تسبب في تحمل شركات السيارات خسائر كبيرة، أثرت سلباً في أدائها المالي العام. أضف إلى ذلك أن شركات السيارات على مستوى العالم، تواجه تحديات بيئية كبيرة بسبب اعتماد السيارات على استخدم مادتي البنزين أو الديزل، اللتين تتسببان لدى احتراقهما في تلوث البيئة، ما حدا بجميع صانعي السيارات على مستوى العالم، للبحث عن مصادر وقود جديدة بديلة لسياراتهم أكثر صداقة للبيئة، مثل الكهرباء والطاقة الشمسية وخلايا الوقود.
من بين التساؤلات التي تدور في الأذهان أيضاً، هل بلغت المملكة من التقدم والتفوق والنضج الصناعي إلى الدرجة، التي تؤهلها وتمكنها من أن تكون رائدة في مجال صناعة السيارات في المستقبل المنظور، بالذات في سوق محلية وعالمية تعج بالسيارات والعلامات (الماركات) العالمية المعروفة والمرموقة، التي قد يصعب على ''غزال 1'' أن تتنافس معها على المديين القصير والمتوسط، حتى على المدى الطويل، رغم ما تتمتع به من خاصية فريدة على مستوى العالم، تتمثل في قدرتها على التصدي لحوادث الجمال المميتة، كما أن قطاعنا الصناعي لا يزال يعاني عديدا من المعوقات والصعوبات، التي تحد من قدرته على المساهمة الفاعلة في الناتج المحلي الإجمالي، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، محدودية توافر المدن والمناطق الصناعية، وارتفاع أسعار الطاقة، وعدم وجود هيئة لدعم الصادرات الصناعية، وعدم توافر العمالة الوطنية المؤهلة والمدربة للعمل في القطاع.
البعض يتخوف من أن خوض المملكة مجال تجربة تصنيع السيارات، قد يكرر الخطأ الاستراتيجي نفسه، الذي وقعت فيه قبل سنوات، عندما توجهت بقوة إلى زراعة القمح، وتسبب ذلك في هدر كبير للمياه، ونضوب مصادر المياه غير المتجددة، بما في ذلك الإضرار بالتركيبة العضوية للتربة.
تخوف البعض من خوض المملكة تجربة صناعة السيارات، أن يكون ذلك على حساب قدرتها على إشباع متطلبات واحتياجات تنموية حاضرة ومستقبلية، تكون أكثر أهمية من التوجه نحو صناعة السيارات، خاصة أن مناطق المملكة ومدنها بشكل عام، تعاني مشكلات تنموية عديدة، ترتبط بتدني مستوى الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء، التي تعاني صعوبات كبيرة، تحد من قدرتها على الاستجابة للطلب المتنامي عليها عاما عن عام، إذ يقدر النمو السنوي على الكهرباء بنحو 8 في المائة سنوياً، ويتطلب مبالغ مالية كبيرة تقدر بنحو 300 مليار ريال، في شكل استثمارات مستقبلية لمدة عشر سنوات مقبلة. أضف إلى ذلك أن البنية التحتية للخدمات العامة، سواء التحتية أو الفوقية في المملكة، تعاني مشكلات عديدة مثل شبكات الصرف الصحي وشبكات تصريف المياه الجوفية وشبكات مياه الأمطار والسيول، ما يؤكده أن العاصمة السعودية الرياض، حتى يومنا هذا لم تكتمل فيها شبكات تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي، وأيضاً مدينة جدة وغيرها من مدن المملكة، ما يعرضها - مع الأسف الشديد - لحوادث مؤسفة عند هطول الأمطار، تتسبب في إزهاق أرواح الناس، وتدمير المنشآت العامة والخاصة، ما يكلف الدولة دفع مبالغ طائلة في شكل تعويضات وإصلاح للأضرار. خلاصة القول، إنه على الرغم من أن مشروع ''غزال 1''، الذي تبنت تنفيذه والإشراف على إنجازه جامعة الملك سعود، يعد مشروع تخرج عملاقا لتأسيس قاعدة بحثية علمية في المملكة، إلا أن عددا من الاقتصاديين السعوديين، يجول بخواطرهم عدد من التساؤلات، حول مدى جدوى المشروع وفاعليته من ناحية الأهمية التنموية، وأولويات الإنفاق.
تخوف الاقتصاديين السعوديين من خوض المملكة تجربة صناعة السيارات، أن يكون على حساب قدرتها على إشباع حاجات تنموية حاضرة ومستقبلية، ما يفرض الحاجة إلى المفاضلة بين أولويات الاستثمار وأسلوب توجيه الأموال العامة لخدمة تلك الاحتياجات، بالذات في ظل النمو المطرد في عدد السكان، وعدم اكتمال عدد من مشاريع البنية التحتية والفوقية، إضافة إلى الحاجة إلى التوسع في خدمات أساسية أخرى مثل خدمات الصحة والتعليم، ما يفرض الحاجة إلى التوجيه السليم للأموال العامة، بما يخدم توجهات التنمية، تفادياً لضياع الأموال وتشتتها، وفقدان السيطرة على توجهاتنا الاقتصادية والتنموية، بالذات في ظل محدودية العمر الزمني الافتراضي للبترول السعودي، الذي يقدر بنحو 70 عاماً، وفق معدلات الاستهلاك الحالية للنفط ومعدلات نموها المستقبلي. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي