نزع فتيل الصدام وتعزيز وحدة الصف العربي
تتوج الجولة العربية للملك عبد الله بن عبد العزيز، جهوداً سعودية متواصلة، دأبت خلالها على السعي إلى ترميم الوضع العربي، ودفعه على طريق التقدم في مواجهة ما أصابه من إحباطات وترديات على مدى الأعوام الأخيرة. وتندرج الجهود السعودية، وبخاصة جولة الملك عبد الله، في إطار استراتيجية سعودية ثابتة أساسها معالجة المشكلات القائمة، وتعزيز العمل العربي المشترك، والعمل على تحسين الأوضاع العربية في مجالاتها كافة، ولا سيما السياسية والاقتصادية. وكان بين تعبيرات هذه الاستراتيجية، قيام خادم الحرمين الشريفين بإطلاق مبادرة المصالحة العربية الشاملة إبان قمة الكويت الاقتصادية التي عقدت في شباط (فبراير) عام 2009.
ووفقاً للبرنامج المعلن، فإن جولة الملك عبد الله، تشمل كلا من مصر وسورية ولبنان والأردن، وهي بلدان محورية وعلى تماس بالقضايا الساخنة في الوضع العربي والإقليمي الراهن، التي تتقدمها عربياً قضية تردي العلاقات العربية ـ العربية، إلى جانب قضايا العراق ولبنان وفلسطين، أما في المستوى الإقليمي، فثمة موضوعان أساسيان في مقدمة هواجس المملكة، والبلدان التي يزورها الملك عبد الله أولهما، ملف إيران النووي والعلاقة مع طهران، والثاني مسيرة التسوية المتوقفة في المنطقة وتعنت إسرائيل وقيادتها، واحتمالية انعكاس ذلك على الوضع في لبنان.
وإذا كانت بداية الجولة من مصر، فإن ذلك محكوم بثلاثة أمور أساسية، أولها العلاقات التقليدية التي تربط بين الرياض والقاهرة، والثاني أن مصر تتابع، بحكم موقعها الاستراتيجي في المنطقة، كل القضايا، التي سيتم التطرق إليها في جولة الملك، والثالث يرتبط بما تمثله مصر من ثقل عربي في التعامل مع قضايا المنطقة، وخاصة أن هناك محاولة استغلال إسرائيلية للترويج لتراجع صحة الرئيس المصري والأوضاع والترتيبات الداخلية. وكلها عوامل جعلت وفداً سعودياً يتوجه إلى القاهرة مستبقاً زيارة خادم الحرمين الشريفين ممهداً ومعدا لبرنامجها، الذي سيتناول في نقاطه الأساسية العلاقات السعودية ـ المصرية وسبل دعمها، وما أحاط بها من تطورات منذ لقاء القمة السعودي ـ المصري في العام الماضي.
وتتناول المباحثات مع الرئيس مبارك آخر تطورات الوضع في المنطقة، ولا سيما عملية السلام، إلى جانب البحث في موضوع المصالحة السورية ـ المصرية، وهو ما أكدته توقعات باحتمال مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في قمة ثلاثية سعودية ـ مصرية ـ سورية يمكن أن تشهدها شرم الشيخ. وهو أمر إذا تم سيحقق نقلة مهمة في العلاقات العربية ـ العربية، ولا سيما لجهة تعزيز القدرة العربية في التعامل مع الملفات والقضايا الثنائية والإقليمية المطروحة. وقد يكون ذلك فاتحة لعودة محور الرياض ـ القاهرة ـ دمشق الذي ساد في السياسة العربية لسنوات طويلة.
وقريباً من برنامج زيارة الملك عبد الله إلى مصر، سيكون برنامج الزيارة إلى دمشق، وهي المحطة الثانية في الجولة الملكية السعودية. إذ ستبحث قمة عبد الله ـ الأسد في دمشق العلاقات السعودية ـ السورية، وسبل الارتقاء بها، كما تشير التقديرات في دمشق. وسيتم البحث في المصالحة المصرية ـ السورية في حال لم تعقد القمة الثلاثية السعودية ـ المصرية ـ السورية المتوقعة في شرم الشيخ. وتبحث القمة في ملفين آخرين، وثيقي الصلة بالبلدين هما العراق ولبنان، مع إيلاء أهمية خاصة لموضوع لبنان الذي يشكل نقطة محورية في علاقات الرياض ـ دمشق، خاصة في ظل التوترات التي تصاعدت أخيرا في لبنان ودفعت إلى اصطفافات واتهامات. وقد باتت تتطلب تدخلاً قوياً وحاسماً من جانب طرفين فاعلين هناك بوزن الرياض ودمشق. وقد قامتا في العام الماضي برعاية تسويات تتعلق بالوضع اللبناني، بعضها يتصل بالداخل اللبناني، وآخر متصل بعلاقات دمشق مع بعض الأطراف اللبنانية.
ويتمتع الموضوع اللبناني في جولة الملك عبد الله بأهمية استثنائية، ليس في جانب مضمون المباحثات، التي سيجريها الملك عبد الله مع الرئيس ميشال سليمان فقط، إنما من خلال لقاءاته المقررة مع القيادات والفعاليات اللبنانية المختلفة، في إطار تدخل سعودي قوي للتخفيف من حدة الاختلافات اللبنانية. وأشارت تقديرات إلى احتمال أن يسافر الرئيس الأسد إلى لبنان برفقة الملك عبد الله، بالتزامن مع زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى بيروت الجمعة المقبل، وسيعزز ذلك فكرة "توفير مظلة عربية للاستقرار اللبناني"، من خلال حضور خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة، مع احتمال حضور الرئيس السوري بشار الأسد.
وإذا كانت العاصمة الأردنية، تمثل المحطة الأخيرة في جولة الملك عبد الله، فإن مباحثاته فيها ستشمل، إضافة إلى العلاقات الثنائية، مجمل الموضوعات العربية والإقليمية، ليس فقط بسبب صلة الأردن بالموضوع العراقي أو الفلسطيني أو بموضوع الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وإنما نتيجة العلاقات الوثيقة والاهتمامات المشتركة التي تربط بين الرياض وعمان، إضافة إلى التحديات الأمنية الضاغطة التي يعيشها الأردن، من أزمة اقتصادية، وضغوط إسرائيل لتنفيذ سياسة الترانسفير والوطن البديل، رغم الزيارة العاجلة التي قام بها بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى عمان، وعبر استغلال حاجة عمان الاقتصادية.
ومما لاشك فيه، أن معظم الموضوعات التي سيتم الطرق إليها في محادثات الملك عبد الله مع قادة البلدان التي سيزورها، ستتم توافقات مهمة بصددها، ولا سيما في موضوع العلاقات بين المملكة وشقيقاتها. وستكون النتائج في المستوى ذاته تقريباً، فيما يتصل بموضوعات العلاقات العربية ـ العربية الصرفة، وهذا يعني، أن ثمة نجاحات مؤكدة ومهمة للجولة العربية.
وإن كان ثمة توافقات عربية ستبرزها محادثات خادم الحرمين الشريفين مع قادة الدول التي يزورها، تتعلق بالموقف من عملية التسوية في المنطقة، ومسعى الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه الوطنية، وتطرف سياسات إسرائيل، وضعف مستوى الرد العربي والدولي عليها، فإن هذه التوافقات ستشكل قاعدة من أجل أن يفكر القادة بما ينبغي القيام به للرد على سياسة إسرائيل، وإخراج المنطقة من وضعية الجمود والتردي التي صارت إليها بفعل سياسة إسرائيل وسكوت المجتمع الدولي عنها.
نتائج البحث في الموضوعات الإقليمية الأخرى، قد لا تكون على المستوى السابق، والسبب في ذلك لا يتعلق بطبيعة هذه الموضوعات وتعقيداتها فقط، بل يتصل الأمر في جانب منه بالاصطفافات الإقليمية من جهة، وبمواقف الأطراف غير العربية من جهة ثانية. ففي موضوع العلاقات العربية ـ الإيرانية، هناك تمايز داخل الموقف العربي حده الأول، علاقات موضوعية ومحسوبة مع إيران على نحو ما يجسده الموقف العربي العام، وحده الثاني تحالف عميق لا تنفصم عراه مع طهران كما هو الموقف السوري. والأمر قريب من ذلك في الموقف من ملف إيران النووي، حيث هناك موقف عربي عام، يعبر عنه موقف السعودية ومصر والأردن، وهو أقرب إلى موقف المجتمع الدولي الداعي إلى الحوار الدبلوماسي، وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وآخر يناصر الموقف الإيراني إلى حد التبني على نحو ما يبدو الموقف السوري.
الخلاصة العامة لجولة الملك عبد الله العربية، أنها تأتي في وقت تتكرس فيه الحاجة العربية إلى تقوية العلاقات العربية ـ العربية، وضرورة التواصل بين القيادات العربية، وبحث القضايا الثنائية والإقليمية من أجل وضع أسس للتعامل معها. والجولة بما هي عليه، إنما تعكس اهتمام المملكة بإجمالي الوضع العربي والإقليمي، وضرورة قيام المملكة بدور محوري في معالجة القضايا الأساسية فيهما، وتعكس حرص القيادة السعودية ممثلة بالملك عبد الله على التفاعل الجدي والنشط مع الواقع الإقليمي وقضاياه.