التقارب السعودي- السوري - اللبناني ينزع فتيل الأزمة

يشهد لبنان تصعيدا غير مسبوق في حدّة السجال السياسي الداخلي بين مختلف الفرقاء لا سيما بعد الخطابين الأخيرين للأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصرالله خلال الأسبوع الماضي، وتضمّنا فرض شروط على القيادات اللبنانية، تلاه تهديد صريح من حلفاء الحزب في لبنان بإمكانية حصول "7 أيار جديد إذا تطلّب الأمر"، وذلك على خلفية الحديث عن المحكمة الدولية والتوقعات بقرب صدور القرار الظنّي وإمكانية أن يطول الاتهام "عناصر غير منضبطة في حزب الله" كما يشاع.
ويستطيع المراقب أن يلاحظ أنّ التصعيد الخطير في المواقف من قبل هذا الفريق لم يأت فجأة من فراغ. فقد تمّ التمهيد له بسلسلة من الخطوات والأعمال التي أعادت تظهير الانقسام اللبناني بشكل عميق ومتسارع خاصّة خلال الأشهر القليلة الماضية، ومنها: العودة إلى سياسة عرقلة العمل الحكومي تحت شعارات وحجج مختلفة، إظهار لبنان في بداية حزيران (يونيو) كدولة عاجزة عن اتخاذ قرار جرّاء الإصرار على دفع الحكومة باتجاه التصويت لصالح إيران في مواجهة المجتمع الدولي والقوى الكبرى وبما يخالف المصالح اللبنانية، اشتباك "الأهالي" في بداية تموز (يوليو) مع قوات اليونيفل في جنوب لبنان ثم العمل على رفض الاتفاقيّة الأمنيّة مع فرنسا، والتعامل مع ملف العملاء الإسرائيليين الذين تمّ إلقاء القبض عليهم عبر الوسط الإعلامي، وليس عبر القنوات الرسمية والقضاء وأجهزة الدولة، وصولا إلى إعادة نبش الاتهامات بحق المحكمة الدولية قبل أيام قليلة وعودة خطاب التخوين وسيناريو المؤامرت.
ويكتمل المشهد عندما نعلم أنّ هذه الأحداث تقاطعت من ناحية التوقيت على الأقل مع تطورات إقليمية شهدت حدثين بارزين، تمثّل الأول في تشديد العقوبات الجماعية على إيران عبر قرار مجلس الأمن 1929 بتاريخ 9/6/2010 وبموافقة الدول الخمس الدائمة العضوية، ومن ثمّ العقوبات الأحادية القاسية التي مررها الكونجرس وصادق عليها الرئيس أوباما في الأول من تموز (يوليو) 2010 وتستهدف بشكل أساسي الضغط على موردي البنزين إلى إيران والاستثمار في قطاع الطاقة أيضا، ومثلها العقوبات الأحادية الأوروبية غير التقليدية التي تمّ إقرارها قبل عدّة أيام في 26/7/2010 والتي شكّلت خطوة متقدّمة في اتجاه الضغط على طهران التي بدأت تشعر بسطوة هذه العقوبات وتأثيراتها في الوضع الداخلي ولا سيما من الناحية الاقتصادية.
أمّا التطور الثاني فقد تمّثل في إعلان إسرائيل في 20/7/2010، عن اكتمال منظومتها للدفاع الجوي المضاد للصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى المعروفة باسم "القبة الحديدية" والمخصصة لمواجهة صواريخ "حزب الله" و"حماس"، إضافة إلى توجيه وزير الحرب الإسرائيلي "أيهود باراك" تحذيرا واضحا وصريحا مجددا للحكومة اللبنانية من أنّ إسرائيل لن تصبر على أي هجوم يستهدفها من قبل حزب الله وأنّ الرد سيكون على كل لبنان هذه المرّة.
وقد بدا واضحا أنّ هذه التطورات المتسارعة والمتصاعدة قد تدفع من جديد باتجاه إمكانية جعل صيف لبنان ساخنا بل وحارقا، وهو ما استدعى تدخّلا اوّليا لبعض الأطراف الإقليمية العربية بشكل سريع ومكثف للعمل على تهدئة الأمور وإعادتها إلى نصابها الصحيح.
وفي هذا الإطار تولي الغالبية اللبنانية الرسمية والشعبية اهتماما خاصا لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز، الذي من المقرر أن يحط في بيروت نهاية الشهر الحالي، ضمن جولة عربية تشمل كلا من مصر وسوريا والأردن أيضا. ولا ينبع الاهتمام بزيارة العاهل السعودي فقط لكونها الأولى له كملك، إذ سبق وزار لبنان في عام 2002 كممثل لبلاده في القمة العربية، لكن لحساسية الوضع الداخلي الراهن من جهة، وللدور الكبير الذي لطالما لعبه خادم الحرمين والمملكة بشكل عام في حفظ السلم الأهلي وتحقيق الاستقرار للبنان، والملتزمة به دوما عبر اتفاق الطائف الذي أرسى الركيزة الأساسية لتعايش اللبنانيين مع بعضهم البعض.
وعلى الرغم من أنّ بعض الأوساط الرسمية تشير إلى أن الزيارة كانت مقررة بشكل مسبق، وأنّها غير مخصصة لمناقشة تطورات الوضع الداخلي اللبناني المستجدة أخيرا، إلاّ أنّه من البديهي القول إنّ المحادثات التي سيجريها الملك عبد الله مع رئيس الجمهورية ستبحث، من دون شك، سبل تعزيز الاستقرار في لبنان، بما يعني التطرق بالضرورة إلى التطورات السلبية الأخيرة وكيفية معالجتها ولا سيما أنّ العاهل السعودي سيبحث الموضوع نفسه في مصر التي شددت أخيرا على ضرورة عدم جعل لبنان ساحة أو أداة لتصفية حسابات إقليمية، ومن ثمّ سورية التي قيل أنّها تدخلت أخيرا للحد من تصاعد نبرة خطابات الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله.
إذ لطالما عرف عن الملك عبد الله بن عبد العزيز حكمته وتصرّفه المسؤول والمتلزم بدعم الدولة اللبنانية في جميع الظروف والمناسبات، والحرص على التواصل مع اللبنانيين دون التمييز بينهم، وهو موقف يبني اللبنانيون عليه آمالا كبيرة لجهة البحث في المساعدة على إيجاد حلول لتخطّي الأزمة الحالية، والتي من الواضح أنّ هناك شبه إجماع عربي على الأقل بشأنها حاليا من خلال الحرص على ضرورة عدم التصعيد في الأمور لأنها لم تكن من مصلحة أحد.
لكن هذا التفاؤل بزيارة الملك ونتائجها الإيجابية المتوقعة لا يلغي التخوّف من أن تقوم بعض الأطراف الداخلية اللبنانية، التي تحظى بدعم إقليمي، بإفشال الجهود السعودية والعربية في احتواء الموقف، خاصّة أنّ خياراتها باتت محدودة جدا في لعب دور "الرافعة" الذي لطالما تفننت فيه على حساب الدولة اللبنانية واللبنانيين بحجج وتبريرات مختلفة، والآن تحاول العودة إليه من خلال تفجير ملف المحكمة الدولية.
وفي هذا الإطار، يرفض اللبنانيون عموما أن يتم تخييرهم بين العدالة والأمن والاستقرار، فالمؤيدون للمحكمة بشكل خاص لن يقبلوا قبل حزب الله وغيره أي قرار يصدر عنها ما لم يكن مدعّما بقرائن وأدلة وبراهين، ومن البديهي أن يستغرب جمهور 14 آذار وقياداته تأويل القرار الظني قبل صدوره والتهويل على اللبنانيين والتبشير بالفتنة التي يعتبرون أنها لن تقع، لأن الفتنة يقوم بها من يمتلك السلاح.
لكن الأخطر من ذلك، إن صح الكلام القائل بأن بعض الأطراف وخاصة حزب الله قد بدأت تشعر بثقل التقارب السعودي - السوري وأيضا السوري -التركي، وانّ الضرر من هذه العلاقات كبير لا سيما على صعيد العلاقة مع إيران ودورها في المنطقة ونموذج طهران في المواجهة مع إسرائيل، وهو ما يتطلب بالضرورة العمل على البدء باستهداف هذه المحاور وأولها محور الرياض - دمشق، خاصّة أنّ العديد من الأوساط كانت قد أشارت إلى أنّ خطاب حسن نصرالله الأخير كان الهدف منه دفع دمشق لمعاداة قادة 14 آذار من جديد لحسابات إيرانية وليست سورية، وهو ما يفسّر التصعيد في الموقف الإيراني الذي مثّله رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني الذي اعتبر أنّ الهدف من قرار المحكمة الضغط على إيران! وأنّ لعب أمريكا وإسرائيل مع لبنان سيؤدي إلى قطع أيديهما. وهو ما يعد بمثابة تمهيد لاستعادة دور لبنان كساحة لتصفية حسابات إيران مع الدول الأخرى عبر حزب الله، خاصّة بعد الرسائل الأخيرة المتكررة بهذا الخصوص من قبل المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، والرئيس الإيراني أحمدي نجاد، والتي صدرت عقب تشديد العقوبات الدولية الحالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي