لا تخذلوا السياحة الداخلية
خلال الأسبوعين الماضيين وفي وقت كانت فيه معظم مدن بلادنا والدول المجاورة تعيش درجات حرارة تجاوزت 45 درجة مئوية، كان عديد من مدن بلادنا من الطائف إلى الباحة إلى أبها وغيرها من مدن منطقتي عسير والباحة تعيش أجواء ربيعية تمثلت في درجات حرارة منخفضة، وأمطار استمرت أياماً عدة. وإذا كان اعتدال الجو أمراً غير مستغرب في تلك المناطق، إلا أن أمطار الصيف أعطت أجواءها جمالاً فوق جمال، وجعلت كلَّ مَن يعيش في الأجواء اللاهبة يتمنى لو كانت هناك وسائل نقل سريع وفنادق وأماكن إيواء كافية توفر للإنسان فرصة قضاء أسابيع، أو على الأقل، أيام في تلك المناطق.
الطائف ومنطقتا عسير والباحة بمدنها وقراها ومرتفعاتها وسهولها مناطق تستطيع أن تنافس أفضل المناطق السياحية التي يشد المواطنون إليها الرحال كل صيف، ولكن لم نُحسن الاستفادة مما أعطانا الله من جمال طبيعة واعتدال مناخ بشكل كامل، ففي الوقت الذي نرى فيه الهيئة العامة للسياحة والآثار تحشد جهودها للتعريف بتلك المناطق، عبر الإعلان في الصحف، وعبر البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وعبر تنفيذ برامج عديدة للترويج للسياحة المحلية وتبني المهرجانات الصيفية، وكذلك الجهد الكبير في تحسين أماكن الإيواء، نجد أن هناك قطاعات تجهض هذه الجهود، عبر تقاعسها عن أداء مهماتها.
جهود الهيئة العامة للسياحة والآثار لن تحقق النجاح المطلوب مهما بلغت دون تعاون الأطراف الأخرى، سواء من يستثمر في قطاع السياحة، أو القطاعات الأخرى المرتبطة بالسياحة، خصوصاً النقل الجوي، ولهذا نجد أن قصور خدمات النقل، أو قلة أماكن الإيواء كانت عائقاً كبيراً أمام الجهود التي بُذلت لدعم السياحة المحلية. ومن المؤسف أن يجد الإنسان حجوزات طيران إلى مختلف مدن العالم القريب منها والبعيد، في حين لا يجد حجزاً إلى مدينة مهمة داخل بلده.
والإشكالية التي يعانيها قطاع السياحة، أن الإخفاق في جانب واحد، مثل النقل أو السكن، يؤثر في جميع الجوانب الأخرى، ولهذا فلا بد من معالجة كل ما يؤثر في قطاع السياحة، فهو قطاع مهم، ويمثل في بعض الدول المصدر الأول للدخل، وتوفير فرص العمل للمواطنين.
لقد قامت الهيئة العامة للسياحة والآثار بجهد كبير، وعالجت أوضاعاً كان من المُفترض أن تعالجها الجهات المسؤولة عنها قبل سنين، ومنها تصنيف أماكن الإيواء التي جاءت النتيجة لتدل على تواضع مستواها، كما سعت الهيئة إلى معالجة وضع محطات الطرق رغم مسؤولية جهات أخرى عنها، وعملت على تحديد أسعار أماكن الإيواء وما يقدم للزائر من خدمات، بشكل لا يثقل كاهل السائح، ولا يسبّب خسارة للمستثمر، كما قامت الهيئة بإطلاق حزمة من البرامج والرحلات السياحية الداخلية للمناطق والمدن التي تتمتع بجذب سياحي وبأسعار معتدلة، ولهذا فالكرة الآن في مرمى الجهات الأخرى، فهل تتحسن أوضاع النقل الجوي، أم يستمر إحدى العقبات التي تعيق جهود توطين السياحة في المملكة؟ وهل يدرك رجال الأعمال أن الاستثمار في السياحة يجب أن يتجاوز إقامة شقق سكنية متواضعة، إلى ما هو أشمل وأكثر جذباً للزائر، وخاصة نحن نرى أن عدد زائري منطقة عسير هذا العام بلغ مليوناً ونصف المليون زائر، مما رفع متوسط إشغال الفنادق ومراكز الإيواء والقرى السياحية في منطقة عسير خلال الخمسة عشر يوماً الماضية إلى أكثر من 80 في المائة، حسب ما جاء في تصريح المدير التنفيذي لجهاز السياحة في عسير. وهذا الرقم متواضع، فمنطقة عسير تستطيع أن تجذب أضعاف هذا العدد، إذا ما توافرت مشروعات سياحية كبيرة، وسُهلت سبل الوصول إليها.