احذر مصيدة الأضواء

أضحت الأضواء اليوم آفة خطيرة تقضي على كل ماتركز عليه، لم تعد الأضواء اليوم كالسابق تنير الطريق وتكشف الحقائق وتحق الحق وتزهق الباطل، وتقوي الترابط بين فئات المجتمع، بل أصبحت في كثير من الأحيان أداة حرق وإفساد ووسيلة تنفير من الناس وطريقة جذابة لتشويه صور البعض في المجتمع بل أصبحت مصيدة يتم نصبها من قبل البعض لآخرين ويتم إغراؤهم بلمعانها وبريقها حتى إذا اقتربوا منها ليأنسوا بسحرها حرقتهم. مع كل مساوئ الأضواء نجد الناس اليوم يركضون ويلهثون بحثاً عنها وكثيرون يتشوقون إلى أن يتحدث الإعلام بمختلف وسائله من صحافة وتلفاز وإذاعة عنه وآخرون يفعلون الأفاعيل بحثاً عنها ليخطبوا ودها بطرق مشروعة وغير مشروعة وإن خالفت القيم الدينية والمعايير الأخلاقية فالمهم أن تسلط الأضواء عليه ويشار إليه بالبنان حتى لو كان في ذلك تقليل من قيمته أو إهانة له ونقص من كرامته الشخصية فكل ذلك يمكن استيعابه في سبيل الحصول على الأضواء.
ومع ثورة التكنولوجيا وانتشار وسائل الاتصال المختلفة سال لعاب كثيرين بحثاً عن الأضواء فيكفي هؤلاء أن ينشروا رسالة هاتفية أو إلكترونية عن مقال شاذ كتبوه أو رأي غريب تبنوه أو حكم معين أصدروه أو قرار عجيب اتخذوه ثم يرموا به إلى هذه الوسائل لتكون الشرارة الأولى للأضواء، فالأضواء اليوم تزيد توهجا لكل عمل قبيح أو قول شاذ أو فكر تصادمي يتعارض مع المألوف وقد يصطدم بأسس الشرع أو يهاجم آخرين ممن يختلفون في الرأي والفكر أو غيرها من الأفكار الشاذة والغريبة التي ليس لها أصل في الدين.
أما درجة الأضواء فهي ترتفع وتنخفض بنسبة قرب وبعد الساعي خلف الأضواء من القضايا الدينية في الدرجة الأولى إذ أصبحت القضايا الدينية اليوم أسهل وأسرع طريقة للحصول على قبس كبير من الأضواء فيكفي أن تطرح فتوى معينة أو تفسق شيخاً أو تدعو لأمر يخالف الدين أو تكتب رواية أو قصيدة أو تهاجم فعلاً ما أو جهة ما أو غيرها من الأمور التي تمس العقيدة وأهلها إلاّ وتفرد لك الصحف مساحات شاسعة في صفحاتها الأولى ويتهافت عليك المحررون سعياً إلى كلمة منك ويترقب المصورون خروجك من المنزل ليظفروا بلقاء منك ولو لدقائق معدودة، بل قد تدفع لك الأموال من أجل الظهور في برنامج تلفزيوني مشهور خصصت له أفضل الأوقات ليشاهده أكبر عدد من الجمهور.
تأتي بعد هذه المرتبة مراتب الفنانين والفنانات من ممثلين أو مطربين أو غيرهم ممن احترفوا أنواع الفن المختلفة، وينافس هؤلاء على الأضواء الرياضيين وفي مقدمتهم لاعبو كرة القدم الذين تنفق الملايين بل المليارات من أجلهم وتخصص القنوات الفضائية لهم، يلي ذلك وفي مراتب أقل السياسيون ثم رجال الأعمال ويأتي في نهاية المطاف وللأسف الشديد العلماء وغيرهم ممن يضيفون إلى أمتهم ومجتمعهم قيمة حقيقية تستفيد منها الأجيال عبر العصور المختلفة.
قد تكون الشهرة غريزة لدى كل فرد وتسليط الأضواء غاية لكثيرين، ولكن يجب على من يسعى للأضواء أن ينظر في عدة أمور منها ماذا سيقدم للآخرين الذين يشاهدونه والأضواء مسلطةَ عليه هل قدم لهم علماً وفائدة ؟ هل ما قدمه أسهم في رفعة وطنه ودينه؟ هل ماقدمه حقق من خلاله سبقاً يفتخر به كل فرد من أفراد مجتمعه؟ كما يجب عليه أن ينظر فيمن سبقه ممن سلطت عليهم الأضواء، ماذا كان مصيرهم وكيف استفادوا منها وهل أسهمت الأضواء في تقدمهم أم أنها كانت محرقة لهم وهل يذكرهم الناس اليوم بخير أم بغير ذلك؟
يكفي الباحثين عن الأضواء أن يعرفوا أن الرجل كان يدخل على مجلس فيه الرسول - صلى الله عليهم وسلم - وهو خير من مشى على الأرض فيسأل (أيكم محمد؟).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي