تقنيات تجعل الأسرة تبني مسكنها!
أظهرت دراسة سابقة قُدمت في ندوة الحق في السكن أن مئات الآلاف من الأسر في المملكة لا تجد المسكن الملائم لإيوائها؛ نظراً لتردي ظروفها الاقتصادية، وعدم حصولها على الموارد المالية الكافية التي تمكِّنها من اقتناء مسكن أفضل. وفي ظل غياب المشاريع أو البرامج الحكومية المخصصة لهذه الفئة أو لعدم تفعيلها، ونظراً لمحدودية عدد الوحدات السكنية التي تشيدها مؤسسات الإسكان الخيري والتنموي في كل عام؛ فإنه لم يعد من حل سوى تمكين الأسر الفقيرة من الاعتماد على نفسها للحصول على مساكن أفضل. ويعد البناء بالمساعدة الذاتية من طرائق التمكين الفعالة ومنخفضة التكلفة؛ نظراً لقيام الأسر المستفيدة بالمشاركة في تنفيذ المساكن، فأسلوب البناء بالمساعدة الذاتية يتطلب مشاركة الأسرة في التنفيذ والانخراط الفعلي في بناء المسكن. ويتميز أسلوب البناء بالمساعدة الذاتية بانخفاض تكلفته، وأنه يمنح الأسرة حرية مطلقة لبناء ما يناسب حياتها ومتطلباتها، بالإضافة إلى تمكينها من تنفيذ المسكن على مراحل بما يوافق تغير احتياجاتها المعيشية، وفي حدود إمكانياتها المادية.
إن تمكين الأسر الفقيرة في المناطق الريفية والنائية من بناء مساكنها - من خلال برامج العون أو المساعدة الذاتية – يُعدُّ من الأساليب الناجحة لتوفير المسكن الآمن والصحي والملائم، وتمكين الأسر من امتلاكه. ولضمان نجاح هذا الأسلوب يجب مراعاة أن تكون مواد البناء المستخدمة متوافرة ومنخفضة التكلفة، وأن توافق الخصائص البيئية للمنطقة المستهدفة؛ فشراء مواد بناء مرتفعة التكلفة أو غير متوافقة مع ظروف البيئة المحلية يؤدي إلى أعباء مالية تحول دون تمكين السكان من المشاركة في التنفيذ، أو الانتفاع بالمسكن لأمد طويل. كما يلزم العناية باختيار تقنيات البناء البسيطة والمناسبة للإنسان العادي غير المتخصص في أعمال البناء؛ لأن التقنيات المعقدة ستصبح عائقاً يمنع الأسر من المشاركة الفعلية في بناء مساكنها، أو تصنيع مواد بنائها؛ لذا يجب أن تراعي عملية الاختيار ظروف الأسر المستفيدة ومحدودية إمكانياتها المالية والفنية.
إن ضعف الإمكانيات المادية للأسر قد يكون الدافع الأكبر لمشاركتها في تنفيذ مساكنها، كما يجب أن يكون هذا السبب المعيار الأساسي أيضاً لاختيار تقنية البناء ومواده، بحيث تكون منخفضة التكلفة لأقل حد ممكن، وألا يغيب عن ذهن القائمين على مشروع البناء بالمشاركة أن خبرات جميع المشاركين أو غالبيتهم محدودة في مجال البناء وغير تخصصية؛ لذا يلزم أن تكون تقنيات البناء بسيطة، ولا تتطلب معدات تنفيذ معقدة، وأن تتوافق خصائصها مع المقدرة البدنية للإنسان العادي، فحجم وحدات البناء وأوزانها يجب أن تكون ملائمة للقدرة العضلية للإنسان؛ ليسهل التعامل معها بأقل جهد، (سواء كانت الوحدات بسيطة "كالبلوك"، أو مركبة كالقواطع والألواح الجاهزة). وفي حالة الحاجة إلى نقل مواد البناء إلى الموقع، فإنه يستحسن أن تكون من المواد التي يمكن نقلها بشاحنات النقل الصغيرة الشائع استخدامها بكثرة في جميع المناطق، والتي تعتمد غالباً في تحميلها وتفريغها على الجهد العضلي للإنسان. أما في حالة تصنيعها في الموقع، فإنه يتعين استخدام الآلات سهلة التشغيل؛ كخلاطات الأسمنت، ومكابس البلوك، والطوب المتنقلة، والعربات، والرافعات البسيطة، وأدوات البناء اليدوية التي لا يتطلب استخدامها تدريباً مكثفاً أو خبرة سابقة.
إن نجاح مشاركة المستفيدين في تنفيذ مساكنهم يعتمد على اختيار تقنيات البناء السهلة التي يمكن تعلمها بسرعة، واستخدام مواد البناء المتوافرة بتكلفة منخفضة، وتوفير الأدوات البسيطة وغير المعقدة للتنفيذ، ووضع برنامج يساعد على سرعة الإنجاز. ويتعين فوق كل هذا مراعاة الاشتراطات التي تضمن إقامة مساكن آمنة من الناحية الإنشائية، وتوفر حماية كاملة من العوامل البيئية المختلفة، ولا تتسبب في أي مخاطر صحية على الساكنين.