الوقاحة في البيع
"من يوم ولادتها وهي تحلم أن تكون الملكة في يوم عرسها، وأنا سأجعلها بلمساتي السحرية تلك الملكة فكيف تبخلين على ابنتك بمبلغ الخمسة الآلاف دولار لتحقيق هذا الحلم" الجملة كما وردت وبفظاظة على لسان إحدى خبيرات التجميل في مفاوضاتها مع أم العروس الشابة، التي لم تجد مهرباً أمام دموع ابنتها سوى أن ترضخ لنظام التسعيرة المحدد؛ حتى لا توصف بالبخل وتحرم ابنتها من تاج الجمال الذي ستتوجها به السيدة الخبيرة.
هذا المثال يندرج على مظاهر حياتية كثيرة باتت تبنى على معادلة قلة الاحترام بين ما نحتاج إليه فعلاً وبين ما نشتريه وبين معاملة البائع والمُنتج.
بمعنى هل باتت الشعوب تحترم ما تشتريه؟ ألم تتغير الأمور كثيراً بالنسبة إلى زمن ليس ببعيد عندما كانت الناس تقدر أكثر شراء ثوب جديد أو ساعة أو سيارة أو....؟ والاحترام للأشياء يعني أن يكون في مخطط المشتري حاجة إلى السلعة التي يشتريها ويريد الاحتفاظ بها لوقت ما، لكن تحولت عادات الناس بشكل مبالغ إلى التعامل بقلة احترام مع الأشياء التي يشترونها بغرض رميها بعد حين؛ لأن المنتجات نفسها لم تعد بالمواصفات السابقة نفسها التي كانت تجلب احترام المستهلك؛ فالعقلية الصناعية الجديدة قصرت من عمر أي منتج؛ إذ سرعان ما يتحول إلى بضاعة غير مفيدة أو يتجاوزه الزمن في بحر سنوات أو شهور قليلة، وهذا ما أنشأ علاقة قلة الاحترام التي باتت طاغية بين المنتجات والمستهلكين. وهذا من دون مبالغة يقود إلى زعزعة علاقات الناس في قطاعات الحياة كافة.
وهنا يصف الكثير من علماء الاقتصاد أن مطبات البشرية الرئيسة لن تنقطع عنها الأزمات، بل ستتوالى الأزمات طالما بقي الناس يعتمدون في شراء حاجياتهم على النمطية والتقليد أو ما يعرف بنظرية القطيع أو تقليعات الموضة.
وقد لا تكون هناك تفسيرات للاستجابات الارتدادية من قبل المجتمعات العربية في التلقي السلبي للثقافة الأقوى أو الأكثر دعاية، وإن كان آخرها تقليعة المسلسلات التركية/ وموضة الشنط الماركات التي تحدد مقدار مكانتك الاجتماعية، كما أنها تتدخل في تحسين المزاج النفسي وأحياناً العقلي، وكله كما هو وارد في نشرة الترويج والإعلان.
في الإطار نفسه تحولت الماركات التجارية إلى منتج غذائي أو استهلاكي معين باعتبار أنها وصلت قبل غيرها إلى الأسواق، من اسم تجاري إلى اسم علمي دلالي على منتج معين.
وهذا الموضوع له دلالاته التي تشير إلى حالة الفراغ الكبيرة في مجتمعاتنا العربية التي لا تستطيع إطاحة المنتج المستورد والاسم الوافد وتقننه ضمن حدود استهلاكية محضة، بل بالعكس تستمر في تداوله على أنه اسم غير نهائي لمنتج استهلاكي من الصعب إزاحته؛ كونه حقق الأسبقية بالوصول أولاً والتصق بالذاكرة العربية. قد تكون من أوائل الخطوات لتنشيط ذاكرتنا أن نتأمل كم يدوم تاج الماكياجات والمساحيق بعد كل مناسبة وبغض النظر إن كان بآلاف الدولارات أو بخمسين ليرة فهو لن يصمد أمام جبروت الماء والصابون.