شهادة دولية لنجاح المملكة في مكافحة غسيل الأموال

حصدت المملكة أخيرا شهادة دولية تؤكد تفوقها عربيا ودوليا في مجال مكافحتها عمليات غسل الأموال، من قبل مجموعة العمل المالي ''الفاتف''، بناء على تقرير صدر عنها خلال اجتماعها الذي عقد في أمستردام خلال الفترة من 23 إلى 25 حزيران (يونيو) 2010، بموجب التقرير الذي اعتمدته مجموعة العمل المالي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ''المينا فاتف'' خلال اجتماعها الذي عقد في تونس خلال الفترة من 2 إلى 5 أيار (مايو) من العام نفسه.
الأساس الذي تم بموجبه احتلال المملكة المرتبة الأولى عربياً، إضافة إلى احتلالها لأحد المراكز العشرة الأولى في ترتيب دول مجموعة العشرين، كونها قد تمكنت من تحقيق أعلى درجات الالتزام بالتوصيات 40 +9 الخاصة بمكافحة عمليات غسل الأموال ومكافحة عمليات تمويل الإرهاب.
جدير بالذكر أن عمليات غسل الأموال على مستوى العالم، تشكل هاجسا وقلقا كبيرا للسلطات النقدية والمالية، بما في ذلك السلطات الأمنية، كونها تهتك مقدرات الاقتصاد العالمي، ومقدرات اقتصادات دول العالم، وأنظمتها المالية والنقدية والتجارية والاستثمارية على حد سواء، ولا سيما في ظل انتشارها وتصاعدها بشكل مخيف ومفزع خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة شيوع التجارة الإلكترونية وانتشارها، التي تسهل وتساعد على إنجاز عمليات غسل الأموال في خلال ثوان معدودة، إذ يقدر حجم العمليات التي يتم غسلها على مستوى العالم سنوياً بنحو تريليون دولار، أو ما يعادل نحو 15 في المائة من إجمالي حجم التجارة العالمية، وما يعادل نحو 2 إلى 5 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي.
رغم التحديات التي تواجهها السعودية في مكافحتها عمليات غسل الأموال، كونها تمتلك اقتصادا نظيفا، وتتمتع بحرية اقتصادية ونقدية واستثمارية، التي عادة ما يسيل لها اللعاب بالنسبة لغاسلي الأموال، إلا أنها تمكنت من أن توظف جميع هذه المقومات الإيجابية لمصلحة اقتصادها ولمصلحة أنظمتها المالية والنقدية والاستثمارية، من خلال تقويض جميع المحاولات الرامية إلى غسل الأموال من خلالها، باتباع خطوات حثيثة وبذل جهود كبيرة امتدت إلى أكثر من عقدين من الزمان، التي من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، إنشاء اللجنة الدائمة لمكافحة غسل الأموال، التي مقرها مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، وتتكون من ممثلين عن تسع جهات حكومية، مهمتهم التعامل مع الموضوعات المتعلقة بكل عمليات غسل الأموال، إضافة إلى تطبيقها التوصيات الـ 40 المتعلقة بمكافحة عمليات غسل الأموال، وأيضاً تطبيقها التوصيات التسع الخاصة بتمويل الإرهاب، الصادرة عن مجموعة العمل المالي Financial Action Task Force - FATF ''الفاتف''. كما استضافت المملكة عديدا من المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية المحلية والدولية، ذات العلاقة بمكافحة عمليات غسل الأموال، واستكملت خلال الربع الأول من عام 2009، جميع متطلبات التقييم المشترك، الذي تم إجراؤه للمملكة من خلال مجموعة (الفاتف)، ومجموعة (المينا فاتف)، الخاصة بتنظيم إجراءات مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما التزمت المملكة بالقرارات الصادرة من مجلس الأمن الخاصة بمكافحة الإرهاب وتمويله، وقامت بإنشاء شعبة لمكافحة غسل الأموال في (ساما) وتزويدها بموظفين ذوي كفاءة وتدريب عاليين، وإلزام البنوك التجارية منذ عام 1995م بإنشاء وحدات مماثلة للتعاون بينها ومع الشعبة الموجودة في (ساما) والجهات الأمنية ذات العلاقة، كما أصدرت (ساما) عام 1995 إرشادات وتعليمات للبنوك العاملة في المملكة بشأن منع ومكافحة عمليات غسل الأموال، التي هي مستمدة من الإرشادات والتوصيات الـ 40 وما تبعها من توصيات إلحاقية، وبالذات فيما يتعلق بمبدأ ''اعرف عميلك'' Know your Customer-KYC، إضافة إلى مراقبة تبليغ الجهات الأمنية المختصة (وحدة التحريات المالية) عن الأنشطة المشتبه فيها. من بين الجهود أيضاً إنشاء (ساما) لجنة دائمة للمراقبة النظامية للجرائم المالية بصفة عامة وجرائم غسل الأموال بصفة خاصة مكونة من أعضاء من البنوك والمؤسسة لمراجعة التعليمات والإجراءات المتخذة في هذا الشأن وتطبيقها بالشكل المطلوب، بما في ذلك إعطاء إهمية كبرى للتدريب في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال، حيث عقد المعهد المصرفي التابع للمؤسسة 139 دورة خاصة في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب استفاد منها 2341 متدرباً خلال الفترة من عام 2004 حتى عام 2008، إضافة إلى عقد برامج تدريبية للسلك القضائي، استفاد منها 339 قاضياً خلال السنوات الخمس الماضية.
جدير بالذكر أن جهود المملكة الحثيثة في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل عمليات الإرهاب، تواكبت مع الجهود التي تبذلها الجهات الأمنية المعنية، بمكافحة عمليات تهريب المخدرات إلى المملكة، التي ـ مع الأسف الشديد ـ على مستوى العالم، تعد إيراداتها والعوائد المتحققة عن بيعها، إضافة إلى الإيرادات والعوائد المتحققة عن تجارة بيع البشر والأعضاء وتجارة البغاء والرشا والتهرب من دفع الضرائب أحد المصادر الرئيسة لعمليات غسل الأموال.
جميع هذه الجهود وغيرها كثير جدا مما لا يتسع المجال لذكر جميعها، أسهمت بشكل كبير في تفوق المملكة عربياً ودولياً في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأهلها لاستحقاق شهادة دولية وإشادة عالمية، ما حقق لها ولاقتصادها ولأنظمتها المالية والنقدية والاستثمارية الاحترام والتقدير من قبل دول العالم، وجنبها من أن تكون أو أن يكون اقتصادها مرتعا أو حتى عرضة بشكل مباشر أو غير مباشر لعمليات غسل أموال أو لعمليات تمويل الإرهاب. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي