الشجار الأكاديمي في الجامعات

هل تحولت الجامعات إلى ساحة عراك وشجار؟ وهل أصبحت موضع خصومات ومحل معارك شخصية بين الأكاديميين؟
هذا ما تتواتر به الأنباء التي تتحدث عن وجود خلافات ومعارك ومشاجرات و(مهاوشات) بين بعض منسوبي الشريحة الأكاديمية.
وليس آخرها حادثة التهديد بالقتل التي حدثت بين طالب دراسات عليا وأحد الأكاديميين بجامعة الملك عبد العزيز في جدة.
إن ساحة الجامعة من المفترض أن تكون ساحة علم، وبحث، وأن تكون الساحة الأولى التي تُحترم فيها القوانين واللوائح والأنظمة؛ لأن الجامعة بمنزلة حرم للعلم والمعرفة والإبداع، وهذا الحرم العلمي له أنظمته وقواعده، وله حرمته واحترامه.
إن المشاجرات والخصومات في الجامعة اليوم لا تحدث بسبب مصطلح علمي، أو نظرية علمية، أو الاعتداد بابتكار فكرة جديدة، أو تطوير لمنهج ما، أو اكتشاف نظرية علمية جديدة، أو تجري بسبب سَبْقٍ فكري أو علمي لأحد الباحثين، أو بسبب جدل علمي حول اتجاه فكري أو بحثي أو تراثي، أو الكشف عن مكامن لغوية وإبداعية، لكنها تجري وتحدث بسبب ترقية إدارية، أو مكافأة علمية، أو الصراع على رئاسة قسم أو لجنة، أو الصراع على انتداب وسفر ومكافأة، أو لتوزيع ساعات المحاضرات والتدريس.
هذا هو ما يحدث في الجامعة اليوم، البحث عن امتيازات شخصية، تؤلفها الأهواء، وتفبركها الحاجات اليومية، وتدل عليها النفوس الضعيفة.
هذا هو حال الجامعة اليوم، مشاجرات وخصام على أشياء مادية لا علاقة لها بالعلم والمعرفة والإبداع، ولا علاقة لها بالهوية الأكاديمية للأكاديمي الذي من المفترض أن يعيد التأمل في الأشياء والأحداث والمواقف، وأن يسعى لخدمة وطنه ومجتمعه من خلال البحث العلمي الهادف الذي ينجز نظرية، أو يؤكد قيمة معرفية، أو يعيد التساؤل حول مسلمة، أو يوجه فكرة بناءة يعتمد عليها وطنه في التطوير والتقدم في ظل التحديات العالمية التي تواجه الأوطان العربية، وفي ظل عصر معولم يسعى للتكتل، وللنهوض الدائم.
إن ما يحدث في الجامعة اليوم من شجار وخصومات لا يسرُّ أحداً .. فالجامعة هي النموذج والقدوة، وهي المكان الذي يحتضن نخب الأكاديميين والأكاديميات .. ومن هنا وجب احترامه وتبجيله.
إن جامعاتنا وهي تسمو إلى أن تتبوأ مكانتها العلمية والحضارية في الترتيب العالمي للجامعات، وفي قياس محصلتها الأكاديمية، ومخرجاتها، يجب أن تجعل العلم والإبداع هدفها الدائم، وأن تقدم نموذجها العلمي الثري الذي ينأى عن الصغائر وعن الأهواء الشخصية، وأن تسهم بشكل فعال في تطوير المجتمع وإنمائه، وفي تقديم الرؤى والأفكار والنظريات التي من شأنها أن ترقى ببلادنا وأن تسهم في التطوير والبناء والتقدم.
لقد دفع اهتمام خادم الحرمين الشريفين بالعلم والمعرفة في الجامعات إلى ميدان التنافس في إنشاء كراسي البحث العلمي، وشكل ملمحا للمرحلة التطويرية التي تعيشها هذه الجامعات، ولكن يبقى اختيار الكفاءات الأكاديمية التي تتفق كفاءاتها ومستوى الجهد المبذول في المجال المعرفي والتعليمي.
وحيث إن خادم الحرمين الشريفين لا يدخر جهدا في توفير مختلف الإمكانات والدعم المادي والعلمي والمعنوي للجامعات، ويحرص - حفظه الله - على أن تكون جامعاتنا البيئة الحاضنة للمستقبل العلمي والمعرفي، والحاضنة لأجيال الإبداع، فإننا نتمنى لهذه الجامعات أن تكون على قدر المسؤولية الوطنية وعلى قدر ما نصبو إليه من رخاء ونهوض وتقدم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي