حماية المستهلك مع سُلطة تنفيذية
سُئلت قبل أيام في أحد اللقاءات الإعلامية عن قدرة وإمكانية الجمعية السعودية لحماية المستهلك للحيلولة دون دخول المستهلكات الفاسدة والمنتهية الصلاحية والمضرة بالصحة ووصولها إلى المستهلك. لضيق الوقت المتاح للإجابة عن السؤال، كان الوضع أشبه بأن يكون (أجب بنعم أو بلا). في رأيي الشخصي الموضوع يحتاج إلى مساحة أكبر، فهو خاص بالمستهلك الذي هو أنت وأنا، أبنائي وأبناؤك، أهلي وأهلك، أصحابي وأصحابك.
لو نظرنا إلى الجهات المنوط بها مسؤوليات حماية المستهلك، نجد أن لدينا عدة جهات، أذكر منها هيئة الغذاء والدواء، هيئة المواصفات والمقاييس، قسم مراقبة صحة البيئة التابع للبلديات، والجمعية السعودية لحماية المستهلك. وبالطبع يجب أن نذكر الأخ الأكبر وهو وزارة التجارة. مع وجود كل هذه الأجهزة الرقابية، أليس من المفروض أن يكون السوق السعودي خاليا تماماً من أي مستهلكات أو أدوية ضارة بالمستهلك؟ أليس من المفروض أن يكون معّدل أسعار السلع الاستهلاكية والغذاء والأدوية والكماليات بعيدة عن جشع التجار والإرجاء على الموسمية والاحتكار غير المُبرر؟
قد يكون وجود كل هذه الجهات الرقابية سببا في تراخي الجهود التي من أجلها أوجدت أو ربما وجد الجشعون ومن لا يخافون الله في رزقهم، ثغرات بين كل هذا الزخم الرقابي وأصبحوا يلعبون على كل وتر بما يناسبه من نغم. لنرى ونحلل هذه الجهات الرقابية من منطلق واحد فقط، وهو سلطتها التشريعية والتنفيذية للقيام بواجباتها: هيئة الغذاء والدواء وهي في رأيي أهم جهة تُعني بموضوع سلامة المستهلك وهي سُلطة تشريعية تنفيذية ولا يبدو أنها ميدانية أو لنقل أنها محدودة الميدانية، هيئة المواصفات والمقاييس، تشريعية تنفيذية لا ميدانية، مراقبة صحة البيئة التابعة للبلديات، تشريعية تنفيذية ميدانية، منعزلة عن باقي الجهات وتعمل على ما تُمليه ضمائر المراقبين في المتابعة والزيارات المفاجئة للمطاعم والبقالات والمستودعات التخزينية، جمعية حماية المستهلك، غير تنفيذية تعمل على نشر الوعي بين المواطنين والمقيمين ومخاطبة المؤسسات والشركات وإقامة الندوات والمؤتمرات التثقيفية فيما يخص شؤون حماية المستهلك. وطبعا هناك الأخ الأكبر أو وزارة التجارة التي من المفترض أن تكون مجلس الإدارة لجميع مجالس الإدارات في الجهات المنوط بها حماية المستهلك.
تختلف جمعيات حماية المستهلك من بلد لآخر من الناحية التنفيذية، ففي بداية التسعينيات من القرن الماضي اُنتدبت للعمل في سنغافورة وحصلت لي بعض الخبرات الجديرة بالذكر فيما يخص حماية المستهلك، تغيير النمط الحياتي لي وصرت أذهب للعمل مستخدماً ثلاثة قطارات تحت أرضية وكذلك الرجوع من العمل. وكما تعلمون تتوقف القطارات لتغيير الاتجاه تحت أو وسط أسواق تجارية كبرى، بينما كنت أنتظر القطار القادم لوجهتي، كنت أتسكع بين المعارض التي كانت في مُجملها معارض إلكترونية وللملابس الجاهزة، كان هناك معرض كاميرات قريب جداً من موقع انتظار القطارات، مع مرور الوقت نشأت بيني وبين إحدى الكاميرات المعروضة علاقة اشتريني ولن تندم، في آخر المطاف نجحت الكاميرا وتشجعت ودخلت المعرض وقمت بشراء الكاميرا بالمبلغ الموضوع في العرض وهو 1800 دولار سنغافوري، خلال توجهي للمنزل الذي أقيم فيه كان هناك معرض إلكترونيات آخر وهو يعرض الكاميرا نفسها مع مغريات أخرى كثيرة بسعر 1299 دولارا سنغافوريا. أثار ذلك غضبي فذهبت إلى المعرض الذي باعني الكاميرا وشرحت للمدير رغبتي في إرجاع الكاميرا، فرفض رفضاً قاطعاً من مبدأ البضاعة التي تباع لا تُرد ولا تستبدل. سألني أحد الزملاء في العمل عن قصة الكاميرا التي أحملها، فحكيت له الحكاية، قام بإجراء بعض الاتصالات وبعد ذلك أعطاني رقما ونصحني بأن أقوم بالاتصال، فالرقم تابع لجمعية حماية المستهلك السنغافورية، قمت بالاتصال وإيصال البلاغ فطلبوا مني تصوير الفاتورة وإرسالها بالفاكس. بعد ساعة زمن اتصلوا بي وأعطوني رقما تسلسليا طويلا وأخبروني أن اذهب للمحل وأعطية هذا الرقم، ذهبت إلى المحل وأعطيته الرقم، نظر إليّ المدير باستغراب وسألني "هل أنت سائح أم مقيم؟" فأجبته بكل هدوء (وهل هناك فرق؟)، المهم أنه بعد يومين أتى الرجل إليّ حيث أعمل وترجّاني أن أقبل بإرجاع الكاميرا وأخذ النقود، هل تعلمون ما حصل بعد ذلك أعزائي القراء؟ مرت فترة 15 يوما تقريبا والمحل مُقفل بالشمع الأحمر. هذا مثال بسيط على فاعلية جمعية حماية المستهلك عندما تكون لديها سُلطة تنفيذية لمعاقبة ضعاف النفوس والجشعين من التجار الذين لهم علاقة مباشرة بالمستهلك.
أعلم أنه من الصعوبة بمكان الوصول إلى مستوى الكفاءة في هذا النطاق كالتي وصلت إليه دولة مثل سنغافورة، ربما لمقارنة التفاح بالتفاح نعزو ذلك إلى حجم الدولة وتعدادها السكاني، ولكن لماذا نعمل منفصلين وكل جهة لا تبدو على اتصال بالجهة الأخرى؟ هل من الصعب جداً جمع هذه الجهات للعمل تحت مظلة عمل موحّدة مثلاً ولا حصراً (هيئة الغذاء والدواء وحماية المستهلك)، ألا يّعطي هذا صفة تنفيذية أقوى لردع ضعاف النفوس والمتلاعبين بصحة وجيوب المواطنين والمقيمين؟ سؤال لن أوجهه إلى وزارة التجارة بل أوجهه إلى الإخوة الأعزاء في مجلس الشورى، فربما يلاقي صدىً يتلاءم مع قربنا من الشهر الكريم، وكل عام وأنتم بخير.
لكم دعائي بدوام الصحة والعافية.