أنا وابني فارس ونظريات (داروين)
(المشهد)
*أنا أدخل إلى المنزل في عز الظهيرة، درجة الحرارة في الخارج تفوق الـ 45 درجة، أحمل جرائدي وكومبيوتري المحمول، هناك هدوء غير مألوف في المنزل لا نستمتع به إلا إذا كان فارس ابن الخامسة عشرة نائما أو في المدرسة. استغربت الهدوء وبطريقة تلقائية ذهبت لأحصي مصابيح الفناء الخارجي وبوابة الكراج التي عادة ما تكون ضحية للعب فارس بالكرة في فناء المنزل. كل شيء يبدو سليما وفي مكانه. مررت بغرفة فارس، لا يوجد صخب البلاي ستيشن والهدوء يعم الغرفة، توجهت مباشرة إلى أم فارس وعلامة الاستفهام تبدو مرسومة على وجهي، وقبل أن أبادرها السؤال، قرأت ما يجول في خاطري، وقالت إن الله قد هدى فارس وبدأ يضع رأسه في الكتب ويغوص في المذاكرة.
*أنا أدخل غرفة فارس، ضوء خافت، الضوء العالي الموجود هو ضوء شاشة الحاسب الآلي الذي يجلس عليه فارس، لم ينتبه الرجُل إلى دخولي الغرفة فهو يبدو شديد التركيز على ما يقرأ، أضأت النور في الغرفة فانتبه إلى وجودي:
- ماذا يحدث يا بُني؟ ما سر الهدوء؟ وماذا تقرأ؟
- لا شيء مهم!!، بعض «الخرابيط» التي جاءتني على البريد الإلكتروني.
أثار ردُهُ حفيظتي فكلمة «خرابيط» جعلت جُل تفكيري يذهب إلى المواقع الإباحية التي تعج بها الشبكة العنكبوتية، سألته أن يترجّل عن المقعد وجلست مكانه وأخذت في الاطلاع والتمحيص في سبب هذا الهدوء والتركيز.
(انتهى المشهد)
فارس لم يكن يعبث بالدخول لقنوات إباحية في جلسته الهادئة، لقد كان يقرأ بريدا إلكترونيا مُرَسلا من جماعات صهيونية معروفة بنشر الإلحاد وقد رمزت لنفسها ببعض الأحرف اللاتينية بحيث يصعب تعقُب مصدر الإرسال. ويبدو أن البريد الإلكتروني موضوع بعناية وسلاسة وحرفية فائقة، يسهل بذلك مفهوم (نظرية داروين الإلحادية). دعوني - أعزائي القراء - أقرب لكم مفهوم النظرية التطورية الإلحادية: إنها نظرية طرحها تشالرز داروين في كتابه (أصل الأنواع) The Origin of Species عام 1859 ميلادية وتُعرف بنظرية التطور، وهي تتمحور حول أن الخلق تكوّن بدون خالق - والعياذ بالله -، وأن المخلوقات بما فيها الإنسان تكوّنت من وحيد الخلية (الأميبا) عن طريق العوامل البيئية، وتُرجِع الإنسان الذي كرّمه الله على العالمين إلى تطوره المرحلي التسلسلي البادئ من القردة - كرمكم الله. مع التوجُهِية الإلحادية المشروحة في الرسالة، يظهر جلياً التركيز على جانب من العنوان الكامل للكتاب وهي (الاحتفاظ بالأعراق المفضّلة في الكفاح من أجل الحياة) أو Preservation of favored races in the struggle for life. لا أريد الإطالة في شرح هذه الجزئية المنبثقة من النظرية، ولكن خلاصتها أنها ترمي إلى أن العرق اليهودي يُدرَج في المرتبة الـ 16 أي أعلى مرتبة على لائحة ترتيب الأعراق، ويأتي بعدهم الأوروبيون في المرتبة الـ 15، وماعدا ذلك من الأعراق الإنسانية الباقية وجِدت على حسب طروحات النظرية لخدمتهم.
ماذا يحدث هنا؟ هل فقدنا التركيز على حماية أجيالنا القادمة من تلك الهجمات الشرسة والمقننة للعبث بمعتقداتها وقِيمها الدينية؟ يبدو أننا صببنا جام تركيزنا على أمور فرعية وعلى فتاوى أكثر ما هي بالمضحك الاستهتاري تعمل على تشتيت توجهاتنا لحماية ديننا الإسلامي ممن يتسللون في خفاء ودهاء لنشر أفكارهم وتوجهاتهم الإلحادية والتنصيرية المضللة.
الإخوان في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية يقومون بعمل دؤوب وجبّار لحجب المواقع التي لا تتلاءم مع شريعتنا وعاداتنا وتقاليدنا، ربما هذا أصابنا بالكسل واللامبالاة والاعتماد والاكتفاء بأن المدينة تقوم بحجب المواقع وهذا في اعتقادنا يكفي عن المسؤولية والمتابعة لما يتعّرض له أبناؤنا من مثل هذه الهجمات الخطيرة.
سؤالي هو لماذا نحن في موقف الدفاع ومحاولة سد الثغرات التي يتسلل عبرها مثل هؤلاء المغررين؟ في حين أنه يمكن لنا إحصاء مثل هذه الأفكار المدمّرة والقيام بإعلام أبنائنا الطلاب بوجود مثل تلك الترهات التي يمكن أن يواجهوها في ظل معطيات هذا العصر الذي نعيش فيه، ووضع المناهج الدلائل والإثباتات المغايرة التي تنشر الوعي على عدم صحة مثل هذه النظريات المُغرضة والتي يستخدمها ذوو الفكر المنحرف للنيل منا ومن إسلامنا.
نقوم بابتعاث عشرات الألوف من أبنائنا الطلاب للدراسة في الجامعات الأجنبية، لا أعلم إذا ما كانت مثل هذه النظريات المغُرضة تُدّرس لهم كمادة إلزامية وهل الملاحق الثقافية على خلفية واطّلاع على ما يُدّرس لأبنائنا المبتعثين. ربما هناك مسؤولية أكبر على وزارة التعليم والتعليم العالي فيما يخص بث التعليم المعاكس للهجمات الإلحادية والتنصيرية وإعداد المبتعثين منهجيا لمساعدتهم على التعامل مع مثل هذه المقررات بما يثّبت عليهم دينهم ولا يفقدهم فرصة التعليم والتجهيز لخدمة الوطن.
دعائي لكم بدوام الصحة والعافية،،،،