«أرامكو» وتوطين صناعة النفط.. وجاءت متأخرة أفضل من ألا تأتي
خبر الأسبوع الماضي عن اتفاق شركة أرامكو مع الهيئة السعودية للمهندسين لتوطين صناعة النفط جاءني مثل الحلم, فمنذ أكثر من خمس سنوات وأنا أكتب عن توطين صناعة النفط. وكيف أننا دولة حظاها الله بثروتين هما الإسلام والنفط, ولم نحصل على سمعتنا ومكانتنا العالمية إلا عن طريقهما, فاشتهرنا بين دول العالم الإسلامي لأننا قبلتهم. واشتهرنا بين بقية دول العالم غير المسلمة بأننا قبلتهم النفطية, لذلك نحن لم نقصر في توطين الإسلام ونشره وأبدينا الاهتمام الأكبر والمطلوب منا, فلدينا ما يفوق حاجتنا من الجامعات والمعاهد الإسلامية ودور القرآن وحلقات الذكر وندرس الإسلام في جميع مدارسنا منذ الصغر, لكننا قصرنا كثيرا في التوعية والتعليم في ثروتنا الأخرى وهي النفط, التي نعيش من خيرها والتي تساعدنا على نشر الثروة الأخرى, وهي الإسلام. النفط مصدر الطاقة التي هي المحرك الرئيس لاقتصادات وسياسات العالم, وهي ما يتصارع عليه جميع الدول. ويكفينا ما نسمعه من الصراع حول مفاعل إيران النووي! وتختلف مصادر الطاقة من النووية إلى الفحمية, وقد نكون نحن من أهم الدول التي تتمركز عليها تلك الاقتصادات والتي تتوجه أنظار العالم إليها كلما ارتفع سعر النفط, لكن الغريب في الموضوع أننا كمواطنين آخر من يعلم عنها أو عن أهميتها أو أنواعها, بل ننام وننتظر لنعيش من خيرها. ولا توجد لدينا إلا شركة واحدة للنفط (أرامكو السعودية). ناهيك عن عدم وجود أي شركات للأبحاث عن تنويع الطاقة ومصادرها. إن الطفرة الأخيرة للنفط تحتم علينا أن نتحسب لبناء الصناعة والمعرفية التقنية لأبنائنا كمهنة نعرف بها حتى ولو نضب النفط، فالنفط يذهب والمال يذهب لكن المهنة تبقى. كما أن البحث عن ثروات ومصادر وطنية أخرى للطاقة لا يعني أننا بذلك سنهمش صناعة النفط أو ننافسها, بل إن ذلك يجعلنا سباقين ويجعل لدينا خط دفاع آخر لو اكتشف بديل للنفط الذي يحاول الجميع البحث عنه في الطاقة الكهربائية والشمسية وما زالت تكلفته غير منافسة للنفط.
من منطلق آخر فإن البحث عن مصادر وبدائل للنفط والطاقة يطرح علينا السؤال الأزلي وهو: إلى متى سنستنزف المخزون الحالي لدينا من النفط؟ أليس من الأفضل أن يكون لدينا توجه للاستفادة من مخزوناتنا النفطية بطريقة مناسبة للمصادر الأخرى مثل الغاز الطبيعي، خاصة في صناعة توليد الكهرباء؟ أليس الغاز أوفر على الشركة وكذلك على تخفيض التعريفة على المواطن؟
لقد حبانا الله بهذه الصحراء القاسية علينا مناخيا لكنه حبانا بموارد ليمتحننا وليرى مدى جديتنا وحرصنا على الشكر للنعمة. والشكر لا يكون بالركون إلى ما نحن فيه، بل بالعمل على اكتشافات جديدة «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم». لقد حبانا الله بموارد كثيرة للطاقة: البترول والغاز والموارد الأخرى مثل النخيل والتمور كغذاء ومصدر للطاقة وإمكانية الاستفادة من رمال الصحراء في صناعة السليكون والصفائح للطاقة الشمسية والإلكترونية. وموارد كثيرة أخرى لم نكتشفها بعد,
أليس من المفروض أن نرى جامعات ومراكز أبحاث عن صناعة الطاقة من التمور والرمال واكتشاف مصادر جديدة؟ حتى لو كانت غير مجزية حاليا إلا أننا يجب أن نسخر جزءا من ثروة النفط للصناعة المعرفية كبدائل للنفط؟
نحن أهم الدول المصدرة للنفط في العالم ومع ذلك فإننا ربما نكون أجهلهم معرفة بالنفط ومشتقاته من البنزين المرصص أو الخالي منه وأنواعه من الخفيف إلى الثقيل، فهل هذا من المعقول؟! دولة النفط التي من المفروض أن يشار إلى شعبها بالخبرة والسبق في البحث والتنقيب عن البترول وتكريره، والتي يجب أن يكون لديها من القدرات والمهارات والتأهيل لمواطنيها في هذا المجال ما يسد حاجة العالم. وأن تكون السعودة والتدريب والمحفزات كبيرة جداً في المجال.
إن حجم الثروة النفطية في المملكة يحتم علينا أن يكون هناك أكثر من شركة أرامكو السعودية, وأن تخصص وتطرح شركات أخرى في هندسة الطاقة والنفط وتكريره وتصنيعه وتحويله إلى المنتجات الطرفية مثل زيوت المحركات وأنواع الوقود المختلفة وتسويقه ونقله، وتكوين شركات تدار بكوادر سعودية للبحث عن البترول والتنقيب وغيره. لقد أثبتت شركة أرامكو أنها إضافة إلى دورها في صناعة النفط إلا أنها أصبحت تورد لنا كوادر وطنية مدربة لديها القدرة على إدارة وتشغيل أجهزة أخرى، والدليل على ذلك أن الدولة أصبحت تستفيد من خريجيها في وظائف قيادية لإدارة أجهزتها المختلفة، وهذه الكوادر ليست أجنبية بل وطنية. لذلك فإن استحداث شركات أخرى على غرار شركة أرامكو وصلاحياتها سيساعد على توطين الصناعة المعرفية للنفط والطاقة وستكون نواة لمخزون من الخبرات والكوادر المهنية المؤهلة لإدارة أجهزة الدولة خاصة مع رؤيتنا المستقبلية للريادة في مجال الطاقة.
وأن يكون لدينا أكثر من مركز ومعهد وجامعة بترول ومعادن, فمن يسمع باسم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن يعتقد أن هدفها تأهيل مواطنينا لهذه المهنة, لكن الجامعة, وإن كان لديها مركز أبحاث ومعلومات للنفط,إلا أنها غلب عليها تخصصات أخرى, وبحيث أصبح مجال تعليم البترول فيها لا يذكر ولا يتناسب مع حجم ثروتنا النفطية. ولبناء مسقبل أبنائنا سواء للعمل في وطننا أو ليكونوا رواد الصناعة في المعرفية بالطاقة ليجولوا دول العالم التي ستكون في حاجة ماسة لهم.
أعود وأشكر جميع من ساهم أو سيساهم في تحقيق الحلم لنصبح دولة النفط والطاقة. وأثني على هذه الاتفاقية ولو أنها جاءت متأخرة عقودا إلا أنها أفضل من أن تنسى. وآمل أن أرى اهتماما أكبر من وزارة البترول وجميع الجهات التي لها علاقة بالإعلام والتوعية والتعليم للسير في هذا النهج.