التكييف القانوني للهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية
تنوعت الأوصاف التي أطلقها بعض الساسة والإعلاميين على الهجوم العسكري الإسرائيلي على أسطول الحرية في المياه الدولية في البحر الأبيض المتوسط، فبعضهم وصفه بأنه قرصنة، والبعض وصفه بأنه إرهاب دولة، وآخرون اكتفوا بالقول إنه انتهاك للقانون الدولي والبعض الآخر وصف هذا الهجوم بجميع هذه الأوصاف.
فما التكييف القانوني الصحيح لهذا الهجوم؟ تستوجب إجابة هذا التساؤل أن نمهد لها بالإشارة إلى أبرز الوقائع التي سبقت هذا الهجوم وأعقبته.
أولاً: الوقائع
1- تفرض إسرائيل منذ منتصف حزيران (يونيو) 2007 حصاراً بحرياً وجوياً وبرياً على قطاع غزة أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية للسكان تدهوراً خطيراً إلى درجة أن عديداً من المنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية انتقدت هذا الحصار ووصفته بأنه عقاب جماعي لسكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني. علماً أن القانون الدولي يجرم العقوبات الجماعية. واعتبر ريتشارد فولك، خبير الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، هذا الحصار جريمة ضد الإنسانية وطالب بمقاضاة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين أمام المحكمة الجنائية الدولية. علماً أن ريتشارد فولك مواطن أمريكي يهودي الديانة، يعمل أستاذاً للقانون الدولي في جامعات أمريكية.
2- رفضت إسرائيل جميع المطالبات والمناشدات الصادرة من كثير من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية برفع هذا الحصار الجائر ومنعت جميع السفن التي تحمل مواد إغاثة لسكان غزة من كسر هذا الحصار وأجبرتها على تفريغ حمولتها في موانئ إسرائيلية لتتصرف فيها السلطات الإسرائيلية كيفما تشاء.
3- استأجرت منظمات دولية غير حكومية ست سفن لنقل مساعدات إلى سكان قطاع غزة, وأطلق على هذه السفن اسم (أسطول الحرية) الذي يتألف من ست سفن، الأولى سفينة كبيرة تحمل اسم (مافي مرمرة) تنقل نحو 700 شخص معظمهم أعضاء في منظمات غير حكومية وناشطون ينتمون إلى 40 دولة وديانات مختلفة, وسفينتا شحن محملتان بمساعدات إنسانية وثلاث سفن أصغر. وترفع ثلاث من هذه السفن العلم التركي بينما اثنتان مسجلتان في اليونان والأخيرة مسجلة في الولايات المتحدة، وأبحرت هذه السفن من قبرص متجهة إلى غزة.
4- في فجر يوم الإثنين 31/5/2010 قامت قوات بحرية إسرائيلية مدعومة بطائرات هيلكوبتر بمهاجمة سفن الأسطول في المياه الدولية قبالة غزة، وأدى هذا الهجوم إلى قتل 19 شخصاً, تسعة منهم أتراك، وجرح العشرات, وأجبرت السفن على التوجه إلى ميناء أشدود الإسرائيلي.
5- أثار الهجوم الإسرائيلي عاصفة من الغضب والاستياء في معظم دول العالم بما فيها دول أوروبية معروفة بتعاطفها وصداقتها لإسرائيل, ودعا رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان إلى معاقبة إسرائيل قائلاً: إن العلاقات بين بلاده وإسرائيل لن تعود إلى سابق عهدها. وأصدر مجلس الأمن بياناً رئاسياً أعربت فيه الدول الأعضاء عن أسفها العميق للأرواح التي فقدت في العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قوافل الإغاثة المتوجهة إلى قطاع غزة, ودان البيان استخدام القوة الذي أدى إلى إزهاق أرواح مدنيين وإصابة آخرين، كما طالب البيان بالإطلاق الفوري لسفن الإغاثة وللمدنيين الذين اعتقلتهم إسرائيل, وحث البيان السلطات الإسرائيلية على ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى وجهتها النهائية. كما ذكر البيان أن أعضاء مجلس الأمن أحيطوا علماً بالحاجة إلى إجراء تحقيق متكامل في الموضوع, بحيث تجرى تحقيقات مستقلة وشفافة وذات مصداقية خلال 30 يوماً. ودعا البيان إسرائيل إلى تحمل مسؤولياتها طبقاً للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي, مشدداً على أن الأوضاع في غزة لم تعد مقبولة، كما شدد البيان على أهمية تنفيذ قرارات مجلس الأمن رقمي 1850 و1860 وضمان استمرار تدفق السلع والأفراد إلى القطاع.
6- رفضت إسرائيل إجراء تحقيق دولي حول هذا الهجوم وأصرت على أن يكون التحقيق إسرائيلياً. ثم أعلنت أخيراً موافقتها على أن يضاف إلى الخبراء الإسرائيليين مراقبان دوليان (أمريكي وإيطالي أو فرنسي) أملاً في أن يؤدي ذلك إلى قطع الطريق أمام أي محاولة لإجراء تحقيق دولي محايد.
ثانياً: التكييف القانوني
1- يعد الهجوم الإسرائيلي المسلح ضد أسطول الحرية بلا جدال جريمة دولية، لكن تكييف هذه الجريمة على أنها قرصنة لمجرد أنها وقعت ضد سفن مدنية في المياه الدولية ليس في تقديري تكييفاً صحيحاً في ضوء تعريف القرصنة الوارد في المادة 101 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982, حيث نصت هذه المادة على ما يلي:
أي عمل من الأعمال التالية يشكل قرصنة:
(أ) أي عمل غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل سلب يرتكب لأغراض خاصة من قبل طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة، ويكون موجهاً:
(1) في أعالي البحار، ضد سفينة أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر تلك السفينة أو على متن تلك الطائرة.
(2) ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو ممتلكات في مكان يقع خارج ولاية أية دولة.
(ب) أي عمل من أعمال الاشتراك الطوعي في تشغيل سفينة أو طائرة مع العلم بوقائع تضفي على تلك السفينة أو الطائرة صفة القرصنة.
(ت) أي عمل يحرض على ارتكاب أحد الأعمال الموصوفة في إحدى الفقرتين الفرعيتين (أ) أو (ب) أو يسهل عن عمد ارتكابها.
كما نصت المادة 102 من هذه الاتفاقية على ما يلي:
(إذا ارتكبت أعمال القرصنة، المعرفة في المادة 101، سفينة حربية أو سفينة حكومية أو طائرة حكومية تمرد طاقمها واستولى على زمام السفينة أو الطائرة، اعتبرت هذه الأعمال في حكم الأعمال التي ترتكبها سفينة أو طائرة خاصة).
ويتضح من هاتين المادتين أن جريمة القرصنة لا تتحقق في حالة قيام دولة بارتكاب أعمال عنف مسلحة ضد السفن في المياه الدولية لأن مفهوم جريمة القرصنة مقصور على أعمال العنف المسلحة والسلب التي ترتكب من قبل أفراد, ولذلك فالهجوم العسكري الإسرائيلي ضد أسطول الحرية لا يدخل ضمن مفهوم القرصنة الذي حددته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ولعل هذا الحدث يلفت أنظار المجتمع الدولي إلى ضرورة وضع قواعد قانونية خاصة بمكافحة جرائم القرصنة التي ترتكبها الدول.
2- أما بالنسبة لتكييف هذا الهجوم بأنه إرهاب دولة، فالواقع أنه لا يوجد تعريف دولي متفق عليه للإرهاب بصفة عامة وإرهاب الدولة بصفة خاصة, وحاول بعض فقهاء القانون الدولي تعريف إرهاب الدولة من خلال التمييز بينه وبين الإرهاب الفردي, ولعل أشمل تعريف لإرهاب الدولة هو الذي وضعه الدكتور سامي جاد عبد الرحمن واصل في كتابه «إرهاب الدولة في إطار قواعد القانون الدولي العام», حيث قال ما يلي:
(إرهاب الدولة هو استخدام العنف العمدي غير المشروع أو التهديد باستخدامه من قبل سلطات دولة ما أو أحد أجهزتها أو بعض الأشخاص الذين يعملون لمصلحتها، ضد رعايا أو ممتلكات دولة أخرى، لخلق حالة من الرعب والفزع، بغية تحقيق أهداف محددة. وكذلك قيام سلطات دولة ما بمشاركة أو تشجيع أو حث أو تحريض أو التستر على أو إيواء أو تقديم العون والإمداد إلى جماعات - نظامية أو غير نظامية - أو عصابات مسلحة، أو تسهيل وجودهم على أراضيها أو تغاضيها عن أنشطتهم التي ترمي إلى القيام بأعمال عنف وتخريب ضد دولة أخرى).
ويمكن في ضوء التعريف المذكور آنفاً تكييف الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية بأنه إرهاب دولة لأن العمل العسكري الإسرائيلي يعد استخداماً للعنف العمدي غير المشروع في المياه الدولية ضد ممتلكات ورعايا دولة أخرى بقصد بث الرعب والفزع لديهم لمنعهم من إيصال مساعداتهم إلى سكان غزة الرازحين تحت الحصار الإسرائيلي غير المشروع.
3- وفي تقديري أن التكييف الصحيح للهجوم الإسرائيلي ضد أسطول الحرية أنه يعد عملاً من أعمال العدوان طبقاً لتعريف العدوان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها المتخذ بتاريخ 14/12/1974م حيث عدد هذا القرار الأعمال التي تنطبق عليها صفة العدوان ومنها (قيام القوات المسلحة لدولة ما بشن هجوم على القوات البرية أو البحرية أو الجوية، أو مهاجمة السفن البحرية التجارية والطيران المدني لدولة أخرى).
وترتيباً على ذلك فإن الهجوم الإسرائيلي يشكل جريمة عدوان ضد الدول التي حملت أعلامها سفن هذا الأسطول، وطبقاً للمادة 5 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تختص هذه المحكمة بالنظر في عدد من الجرائم الدولية منها جريمة العدوان. ونظراً لأن إسرائيل ليست طرفاً في اتفاقية إنشاء هذه المحكمة فلا يمكن إقامة الدعوى ضدها أمام هذه المحكمة إلا إذا أحيلت القضية إليها بقرار من مجلس الأمن الدولي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على غرار ما فعله مجلس الأمن بشأن قضية دارفور, حيث أحالها المجلس إلى هذه المحكمة على الرغم من أن السودان ليس طرفاً في اتفاقية إنشاء المحكمة مستنداً في ذلك إلى الفقرة (ب) من المادة 13 من النظام الأساسي لهذه المحكمة. وفي ظل الحماية الأمريكية المستمرة لإسرائيل فإن من المستبعد أن يتمكن مجلس الأمن من إحالة جرائم إسرائيل للمحكمة الجنائية الدولية.
وأخيراً أقول إن جريمة العدوان الإسرائيلي على أسطول الحرية أدت إلى إيقاظ ضمير المجتمع الدولي من غفلته عن حقيقة مأساة شعب غزة الناتجة عن الحصار الخانق وبدأ بعض قادة أمريكا وأوروبا يتحدثون عن ضرورة إنهاء هذه المأساة.