أعظم الأخطاء في التاريخ
أعتقد أن خطأنا التاريخي ليس في متابعتنا هذه البطولة ولا أمثالها, إنما الخطأ يكمن في أننا لم نحاول حتى اللحظة الاستفادة من تلك المتابعات التي مضى على اهتمامنا بها عقود طويلة من الزمان, لكننا لم نحقق من الطموح ما حققته أصغر الدول التي ربما بدأت الاهتمام بمثل تلك البطولات بعدنا بسنوات طويلة, لكنها حينما أرادت تمكنت ووصلت إلى مبتغاها.
يصنف عمل المزارع الجنوب إفريقي جورج هاريشن بأنه من ضمن أعظم الأخطاء في التاريخ. فلقد باع هاريشن مزرعته لشركة تنقيب بعشرة جنيهات فقط لعدم صلاحيتها للزراعة, وحين شرعت الشركة في استغلالها اكتشفت فيها أكبر منجم للذهب على الإطلاق أصبح بعدها هذا المنجم مسؤولا عن 70 في المائة من إنتاج الذهب في العالم.
خطأ من مثل الذي ارتكبه هاريشن ليس من الصعب إيجاد مثله بين الأفراد ولا بين المؤسسات والشركات وحتى الدول, حينما يغفل كل منا عن تقدير القيمة الحقيقية لما بين يديه ولا يكتشف أهمية ما أهدره, سواء كان الهدر في المال أو الوقت أو العمر أو أي شيء إلا بعد فوات الأوان, عندما تكون لذلك الشيء قيمة عظيمة عند من انتهز الفرصة أو استغل سوء التقدير عند الآخرين ليظفر بالنعمة التي ربما لم تخطر له على بال.
طالما أننا في ذكر جنوب إفريقيا فلا بد أن نذكر أن أنظار العالم تتجه اليوم إلى تلك البقعة التي تفتتح فيها بطولة كأس العالم ذات الشهرة الواسعة, والتي تعتبر على حد تعبير مسؤولي الرياضة العرس الكروي الأكبر في العالم, الذي يقام كل أربع سنوات مرة. وبغض النظر عن المنافسات الكروية التي ستكون حامية الوطيس بين كبار اللعبة, فإن جنوب إفريقيا التي بذلت من المال الشيء الكثير من أجل تجهيز ملاعبها وتهيئة الأجواء لنجاح المنافسات المقامة على أرضها، تنتظر كثيرا من الأرباح من وراء هذا المحفل الكروي العالمي. هذه البطولة كما هو الحال مع سائر البطولات لم تعد منافسة كروية مقتصرة على الكرة واللاعبين والمشجعين, إنما هناك الآلاف من الشركات والمؤسسات ذات الاختصاصات المختلفة تراقب الحدث وعيونها على المردودات المالية من وراء هذه التظاهرة الكبيرة التي تدر المليارات من الدولارات.
لا أجد فرقاً بين ما باعه المزارع هاريشن من غير إدراك منه وبين ما سنبيعه نحن من أوقات وأعصاب, وأيضاً ما سنهدره من أموال لمصلحة هذه البطولة التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
أعتقد أن خطأنا التاريخي ليس في متابعتنا هذه البطولة ولا أمثالها, إنما الخطأ يكمن في أننا لم نحاول حتى اللحظة الاستفادة من تلك المتابعات التي مضى على اهتمامنا بها عقود طويلة من الزمان, لكننا لم نحقق من الطموح ما حققته أصغر الدول التي ربما بدأت الاهتمام بمثل تلك البطولات بعدنا بسنوات طويلة, لكنها حينما أرادت تمكنت ووصلت إلى مبتغاها.
ما زلنا, نحن معشر دول العالم العربي والإسلامي, أو ما يطلق عليه دول العالم الثالث أو النامي أو المتخلف, نعمل على تأصيل عضويتنا في نادي الأخطاء التاريخية, حيث يمكن بيع كل ما نملك بأبخس الأثمان بدءا بالثروات التي تهدر بغير حساب لمصلحة الدول المصنعة التي تستورد الخام الرخيص وتبيعه على هيئة منتج وبأغلى الأثمان، وانتهاءً بتجاهل الآلة البشرية الضخمة التي ستسخر وعلى مدى شهر كامل لخدمة عملية التشجيع ولا شيء غيره.
ألا ترون معي أنه وبعد كل هذا الهدر المتواصل في الأموال والطاقات أن الوقت قد حان كي نصحح مسارنا ونضع أقدامنا على الطريق الصحيح كي نستغل كل الموارد البشرية الهائلة المهدورة لنصل بها على الأقل إلى مصاف الدول المتوسطة وليس المتقدمة منها في مجال الألعاب المختلفة. الرياضة اليوم باتت صناعة وحرفة تدر الأموال, وليس فقط ـ كما نعرفها ـ مجرد عملية استنزاف للأموال من أجل إلهاء الشباب وقتل أوقاتهم وصرفهم عن العمل الجاد الذي يفيد الأمة.
نعم نحن في حاجة إلى فكر احترافي قادر على التواصل مع العالم المتقدم الذي يتنافس اليوم في جنوب إفريقيا ليس من أجل المشاركة فقط مثلما نفعل نحن دائماً, إنما من أجل مواصلة الابتكار في الصناعة الرياضية التي أصبحت من أعمدة الاقتصاد في تلك الدول, والتي توفر ملايين الوظائف للبشر وتعول مثلها من الأسر في شتى أنحاء المعمورة .
ليس صعباً أن نسلك طريق الاحتراف ونؤسس لمثل تلك الأندية العملاقة المستقلة بذاتها, التي تعمل وفق نظام الشركات الربحية، فلسنا بأقل ثراءً من بعض الدول التي تسجل النجاح تلو الآخر وتضرب للعالم أروع الأمثلة على قدراتها الهائلة في هذا المجال.لتكن الرياضة في عالمنا العربي والإسلامي وسيلة لبلوغ التقدم والتطور وفق الأسس الصحيحة التي نجحت فيها الدول التي سبقتنا، وليس مجرد غاية نهدف من ورائها إلى تحقيق مزيد من التخلف لمجتمعاتنا التي أثبتت أنها على استعداد لسحب السفراء وإغلاق الحدود والوصول للمواجهة العسكرية بسبب مباراة في كرة القدم لكنها لا تفعل الشيء ذاته إن تعلق الأمر بما هو أهم وأكبر ومع من هو أكثر خطراً على وجودها.