التدخين من أسلحة الدمار الشامل
يزداد كل يوم اهتمام العالم بموضوع التدخين, فهناك مزيد من البحوث العلمية والدراسات الطبية عن الآثار الصحية للتدخين على الإنسان, وهناك أيضا رغبة قوية عالمية للخروج بتشريعات وأنظمة تحد من حرية المدخن في ممارسة التدخين في الأماكن العامة لما تشكله هذه الممارسة من خطر وأضرار صحية على غير المدخنين. فدخان السيجارة المنبعث من المدخن ومن السيجارة نفسها يحوي ما يقارب 500 مركب كيماوي و10 في المائة من هذه المركبات مركبات لها تأثيرات سرطانية مؤكدة على الإنسان والباقي من هذه المركبات, وإن لم يدرس تأثيرها في صحة الإنسان على المدى الطويل, إلا أنها لا تخرج عن أن تكون مواد سمية, ودخول هذه السموم إلى داخل جسم الإنسان مخاطرة في حد ذاتها. وهناك إحساس عميق عند كثير من الأطباء والباحثين بأن الضرر والأثر الصحي لهذه السموم موجود وستكشف البحوث المستقبلية عن هذه الأضرار بعد استكمال هذه الدراسات.
من الواضح أن منظمة الصحة العالمية أعلنت الحرب على التدخين, فالتدخين في نظر كثير من المختصين من أخطر أسلحة التدمير الشامل, وعلى العالم أن يتعاون بجد للتخلص من هذا السلاح المدمر والفتاك. تقديرات منظمة الصحة العالمية تذهب إلى أن ضحايا التدخين في قرننا الحالي يصل عدده إلى مليار إنسان, مليار مدخن وغير مدخن سيموتون بسبب التدخين, وأن ما يقارب 180 مليون إنسان سيموتون في العقود الثلاثة الأولى من القرن الحالي والنسبة الكبرى منهم هم من الدول النامية والفقيرة. ويتسبب التدخين في إصابة أكثر من مليون ونصف مليون إنسان بسرطان الرئة سنويا, والمشكلة أن ما يقارب المليون من هؤلاء هم أيضا من الدول النامية, حيث لا توجد الخدمات الصحية الكافية لعلاجهم ورعايتهم. وتشير الإحصاءات إلى أن 85 في المائة من حالات الوفاة للمدخنين هي بسبب سرطان الرئة, فسرطان الرئة هو النهاية شبه المؤكدة للمدخن ولو بعد حين.
التدخين في المملكة بدأ يتحول إلى ظاهرة خطيرة, فالتدخين بات أكثر شيوعا بين الشباب, بل إن بعضهم صار يجمع بين الشرين: التدخين والشيشة, والأخيرة أشد ضررا وأكثر فتكا بصحة الإنسان كما تؤكد ذلك منظمة الصحة العالمية في أحد تقاريرها المنشورة. وظاهرة التدخين والشيشة بدأت تنتشر حتى في الوسط النسائي, فهناك اليوم ما يقارب 600 ألف مدخنة في المملكة, وهذا الأمر يعني الكثير للمرأة صحيا ونفسيا, وما يتبع هذا الأمر من مخاطر صحية على الأجيال المقبلة. وجود ستة ملايين مدخن في المملكة مؤشر خطير يجب الالتفات إليه, لأننا أمام ظاهرة لها تبعات كثيرة, صحية واقتصادية واجتماعية. التدخين ثبت علميا خطره على صحة الإنسان, والتدخين في كثير من الأحيان يمهد الطريق للوقوع في الإدمان على أشياء أخرى مثل المخدرات, والتدخين له بعد اقتصادي, فهو يستنزف نصيبا كبيرا من موارد الأسرة, وبالأخص الأسر محدودة الدخل والفقيرة, في وقت تحتاج فيه هذه الأسر إلى الدعم المالي لمواجهة متطلبات المعيشة في ظل الارتفاع المتزايد لأسعار المواد الاستهلاكية. وهناك جانب آخر ومهم جدا في إطار موضوع التدخين وهو حق غير المدخن, فالإحصاءات تشير إلى موت مئات الألوف من الناس سنويا بسبب التدخين السلبي, وهو التعرض لدخان السجائر من غير أن يكونوا من المدخنين. هذا الأمر هو الذي دفع بأغلبية دول العالم إلى منع التدخين في الأماكن العامة انطلاقا من حق غير المدخن في عدم التعرض للدخان. نحن في المملكة في حاجة إلى إصدار أنظمة وتشريعات تمنع التدخين في الأماكن العامة, وأن يقترن ذلك بتوفير الآليات لتطبيقها وتنفيذها بشكل حاسم. بقيت مسألة أسعار السجائر والبحث في دورها وتأثيرها في تخفيض عدد المدخنين, بلا شك أن سعر علبة السجائر له علاقة بانتشار التدخين, فكما أشارت جمعية مكافحة التدخين إلى أن سعر علبة السجائر في المملكة هو الأقل عالميا, وهذا الأمر لا يساعد الجهود المبذولة على الحد من ظاهرة انتشار التدخين في المملكة. وكما ذكرت الجمعية أن تجربة دول كبيرة ومعروفة بانتشار التدخين بين سكانها نجحت في تخفيض ما نسبته 30 في المائة من عدد المدخنين, وذلك من خلال الزيادة في أسعار السجائر. الضرائب العالية على أسعار التدخين لها منافع مزدوجة, فهي من جانب تساعد كثيرا على تقليل عدد المدخنين لأن أسعارها العالية بطبيعتها تشكل مانعا في طريق الإنسان من الوقوع في عادة التدخين, ومن جانب آخر يستفاد من الأموال المحصلة من الضرائب على السجائر لتمويل حملة التوعية عن أضرار التدخين, وكذلك تقديم الدعم المالي للمؤسسات الصحية والجمعيات المدنية التي تقدم الرعاية الصحية والاجتماعية للمدخنين.
التدخين لم يعد شأنا فرديا, بل هو من الشؤون العامة, فوجود الملايين من المدخنين يشكل عبئا صحيا واقتصاديا على المجتمع. تبقى التوعية مهمة لأن الإنسان عندما يطلع على ما سيشكله التدخين عليه من أضرار صحية سيكون عندها أكثر استعدادا للإقلاع عن التدخين وأكثر ممانعة في وجه إغراءات التدخين. التوعية عن أضرار التدخين وتشريع الأنظمة التي تحفظ للبيئة العامة سلامتها من دخان السجائر هي أبسط ما نحتاج إليه للوقوف في وجه ظاهرة التدخين.