التفكير إصلاح وتجديد (1 من 2)

آثرت اليوم الكتابة عن هذا الموضوع لما له من تأثير بالغ في حياة الناس اليوم, خاصة مع كثرة المشكلات وتسارعها وتنوعها وما يقابل ذلك من جمود عقلي ما زال عالقاً في أذهان كثير من الناس, ما أثر في أنماط التفكير وأساليبه, سواءً كان ذلك على سبيل الفرد أو الأجهزة الإدارية أو القطاع الخاص.
ويعد التفكير من الأمور العملية التي تتطلب إعادة تأهيلها كل فترة حتى نستطيع أن نفكر بطريقة منطقية وموضوعية.
والحقيقة التي ربما يغفل عنها كثير من الناس أن التفكير هو نتائج ممارسة عملية لعناصر بالغة التعقيد, فالثقافة السابقة والعادات النفسية والفكرية والمعلومات الذهنية, بل تنشئة الإنسان والظروف الأولية له تتدخل في تفكير الإنسان, ولذلك يمكن القول إنه لا يكون التفكير دائماً نقياً أو كاملاً ويمكن أن نصل إلى تصورات وأحكام غير صحيحة.
وكل تجديد لأي عادة شخصية أو منهج فكري يتطلب منا دائماً إزالة الأنقاض والتراكمات القديمة وتعلم أساليب التفكير الصحيح, وما لم نتعلم الأساليب الصحيحة فإن الأنماط القديمة والأمراض التفكيرية المعوجة ستحاصر أذهاننا.
ومن أهم صور التفكير المعوج
1- إصدار الأحكام المسبقة
إن سرعة إصدار الأحكام بناءً على مسلمات فكرية سابقة تريح العقل من عناء البحث والتمحيص وتهيئ له دخول نفق العطالة والسكون والإشكال القائم: إن داخل عقولنا مسلمات متعلقة بالناس والأفكار والأحداث وتصنيفات الناس والشعوب وكره وحب شخص بناءً على معلومات غير موثقة, وربما تكون ذات طابع شخصي تشويهي, ويبرز الإشكال عند اتخاذ قرارات ذات شأن عائلي أو مؤسسي بناء على معلومات أزلية ربما تكون ظروف الحياة قد أزالتها بلون آخر, ومن المفيد لنا ألا نعتمد على الأحكام المسبقة وأن نستند إلى وثائق ومعلومات إحصائية دقيقة تسهم في كسر الأغلال التي تكبل عقولنا.
2- سوء التعامل مع المعلومات غير الملائمة
حين نكوّن اعتقاداً ما فإن القوى غير الواعية فينا تحشد على نحو غير مرئي كل الأدلة والبراهين التي تقويه وتجعله أمراً غير قابل للنقاش وتظهر الشخصية الجدلية بناءً على الاستجابة غير المدركة من قبل الشخص, وكم خسرنا كثيراً في أمورنا المالية والإدارية, بل الأسرية, بسبب سوء التعامل مع المعلومة وإعطائها أكبر من حجمها حتى تصبح دليلاً قطعياً مع أنها في الأصل احتمالية ربما تفهم منها شيئا ويفهم منها مصدرها قصداً آخر.
3- التضليل في تفسير الظواهر
إن التضليل في تفسير الظواهر أخطر على العملية التفكيرية من التضليل الذي ينشأ من الكذب الصراح, لأن كشف الكذب كثيراً ما يكون سهلاً لكن التفسير الخاطئ هو في أكثر الأحيان نتاج نقص في المعلومات وقصور في التركيب العقلي, لذلك نسمع أن فلانا متفوق لأن أباه رجل ثري ولم يكلفه أي شيء من أعباء الحياة, وهو متفرغ للدراسة, وفلان منحرف لأنه نشأ يتيماً فلم يلق التربية المناسبة, وكل هذه التفسيرات احتمالية وليست قطعية, بل إنه يوجد طلاب أثرياء يرسبون ويوجد أطفال أيتام ذوو سلوك حسن وخلق رفيع. إن تفسير الظواهر الكبرى بعامل واحد من أكثر الأخطاء الفكرية انتشاراً, لذلك لا يمكن الحكم على شخص مخطئ مثلاً في المحكمة بناءً على تفسير ظاهر لقضية سابقة ربما تتغير فيها التفسيرات وتختلف فيها المقاصد الجنائية, وتختلف فيها الأحوال والاعتبارات القانونية.
4- تأثير الانطباعات الأولى
نستطيع القول إن المشاعر والثقافة تدخلان في طريقة التفكير والتقييم وليس من السهل الانفكاك عنهما, ولذا ربما نقع ضحية بعض الانطباعات الأولية غير الصحيحة لنصدر بعد ذلك أحكاماً غير صحيحة, ولو سألت إنساناً عن تكوين رأيه في شخص متصف بصفات منها أنه: ذكي ومجتهد ومندفع وميال إلى النقد عنيد وحسود وعلى آخر السؤال نفسه لكنك بدأت بالصفات السلبية حسود وعنيد ميال إلى النقد لكانت النتيجة أن تفكير الشخص الأول أكثر إيجابية عن المسؤول عنه بخلاف الشخص الثاني لأن صاحب الرأي الأول استمع إلى الصفات الإيجابية في البداية فكونت انطباعاً أوليا إيجابياً أثر في الحكم النهائي, وهكذا دائماً في سائر الأمور.
ولذلك يقوم بعض المترافعين المحترفين بالتأثير الشديد في الجلسة الأولى لتكوين انطباعات أولية للقاضي لا تتيح له التأمل والتمحيص, وذلك بسبب تكوين الانطباعات الأولية عن القضية, وكذا المستشار عند عرضه الرأي المحبب له على المسؤول فيتأثر الأخير بسبب الانطباعات الأولية وليس بالتفكير الصحيح المبني على حقائق وليست على أغراض شخصية.
وسنكتفي بهذا القدر في مقال اليوم, وسنكمل هذه الصور في المقال القادم ـ بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي