عبده خال .. والهروب إلى الرمز!
يلجأ الكاتب إلى الرمز عندما تضيق به السبل في أن يكتب كل ما يريد .. فهناك دائما قيود وسدود ومحظورات .. سياسية أو اجتماعية أو دينية .. أو هي مجتمعة .. إنه يهرب من هذا كله إلى الرمز.. والرمز عادة ما يكون ملتبساً أو غامضاً.. يحتمل أكثر من تفسير .. هذا الغموض يثري العمل الفني، فالغموض جزء من الأعمال الفنية العظيمة .. وهو المادة المثيرة التي تفصل بين مادة الكتابة الفنية ومادة الكتابة الصحفية أو المدرسية التي لا بد أن تتسم بالوضوح.
والرمز أسلوب قديم لجأ إليه الكتاب في مختلف العصور هربا من الرقابة بأنواعها السياسية والاجتماعية والدينية .. ولعل أبرز من استخدم الرمز في العصور الحديثة الكاتب الفرنسي ''جان بول سارتر'' عندما كتب مسرحيته الشهيرة'' الذباب'' .. كان يحاول إدانة دكتاتورية النازية والفاشية خاصة أثناء الاحتلال النازي في فرنسا .. واستطاع ''سارتر'' ببراعة أن يخدع الرقيب الألماني ومثلت المسرحية في ''باريس'' تحت سمع وبصر الرقابة الألمانية الصارمة.
ويلجأ ''عبده خال'' إلى الرمز وأحيانا إلى فضاء الخيال الإنساني لنسج رواية ''ترمي بشرر'' التي فازت بجائزة البوكر العربية وكانت موضع نقاش واسع في الأوساط والمنتديات الأدبية من ''بيروت'' إلى ''الرباط'' لقد احتملت ''ترمي بشرر ''أكثر من تفسير .. فرآها بعض النقاد والمعلقين رواية صادمة فقد عمدت إلى تعرية الحقيقة .. أو هي عرت الحقائق الدفينة التي يغطيها الناس عادة عن العيون .. وهم كما يقول ''عبده خال'' يظهرون قذارة الآخرين ليصبحوا هم وحدهم الشرفاء .. وربما لهذا رأى بعض النقاد أن ''خال'' تعرض لأشخاص بأعينهم لم يكن من حقه كشف عوراتهم، وهذا يقع تحت بند السذاجة النقدية، فهذا الشخص رمز للإنسان في كل زمان ومكان .. وليس صحيحا أنه قصد شخصا بعينه ''فالجلاد طارق'' مجرد رمز للإنسان العربي عندما يقرر أن يكشف عن نفسه من الداخل فيخلع ثيابه الاجتماعية، بل يخلع جلده فهو يريد أن يصل إلى حقيقة الإنسانية التي اختفت لسنوات طويلة تحت أردية الزيف الاجتماعي المتراكم والقهر والتعنت .. ومن خلال هذه التعرية تلقي الرواية الضوء الكاشف عن عيوب المجتمعات العربية .. إنها تعرية شجاعة من المؤلف الذي أراد بهذه التعرية الشخصية أن يعري القيم الهزيلة التي تسود بعض المجتمعات العربية.
استحقت ''ترمي بشرر'' جائزة البوكر .. واستحق المؤلف تقدير النقاد والقراء.