هيئة السوق المالية تعزز كفاءة السوق

اتخذت هيئة السوق المالية خلال السنوات القليلة الماضية عدداً من القرارات التنظيمية والتشريعية، التي أسهمت في مجملها في تحسين أداء السوق المالية، بجعلها أكثر استقراراً وانتظاماً من حيث الأداء، بعيداً عن الارتفاعات أو الانخفاضات العشوائية غير المبررة، التي كانت تحدث في الماضي، التي تسببت في العصف بالمقدرات المالية للسوق وللمستثمرين على حد سواء.
من بين أبرز التطويرات والتحسينات التي شهدتها السوق المالية السعودية، على سبيل المثال لا الحصر عام 2009، توفير وسائل استثمار وقنوات تمويل جديدة بموافقة هيئة السوق المالية على إنشاء سوق مالية لتداول الصكوك والسندات في السعودية لتكون بمثابة سوق ثانية منظمة لتبادل الأوراق المالية بعد سوق الأسهم، التي بدأ تشغيلها الفعلي السبت الموافق 13 حزيران (يونيو) 2009.
من بين جهود الهيئة كذلك الرامية إلى تعميق السوق المالية السعودية، موافقة الهيئة عام 2009، على عدد لا بأس به من الإصدارات الأولية، قد ارتفع عدد طلبات الطرح التي وافقت عليها الهيئة في عام 2009، بنسبة 71 في المائة مقارنة بعام 2008، إذ وصل عددها 96 طلباً، تم طرح أسهم 13 شركة منها للاكتتاب العام، كما بلغ عدد طلبات الطرح الخاص 64 طلباً، وأصدرت أداتي دين، هذا إضافة إلى ثلاثة طروحات لأسهم حقوق أولوية، وإصدار واحد للأسهم بغرض الاستحواذ، و13 إصداراً لأسهم منحة، ليرتفع بذلك عدد الشركات المدرجة في السوق اليوم إلى 139 شركة، بنسبة وقدرها 3.7 في المائة عن عام 2009.
في مجال الإفصاح والشفافية، فالهيئة لا تزال مستمرة في متابعتها من كثب، مدى التزام الشركات المدرجة في السوق المالية، بضوابط وتعليمات الإفصاح، بما في ذلك الإعلان عن نتائجها المالية ربع السنوية والسنوية في الأوقات المحددة، وإعلانها كذلك المعلومات الجوهرية التي تهم المستثمرين والمتداولين في السوق بأسلوب يوفر للمستثمرين الحصول على المعلومة بشكل متكافئ وعادل، هذا وتحققت الأهداف المنشودة للهيئة المرتبطة بضوابط النشر والإفصاح، إذ بلغ إجمالي عدد إعلانات الشركات المدرجة في السوق، الذي تضمنه موقع شركة السوق المالية السعودية (تداول) خلال العام الماضي نحو 2052 إعلاناً.
وفي إطار سعي الهيئة الدؤوب إلى توفير الحماية الكافية للمستثمرين، وتحقيق مستويات مرتفعة من العدالة والمساواة للمستثمرين، بما في ذلك حمايتهم من الممارسات غير العادلة أو غير السليمة، فقد قامت الهيئة في العام الماضي، من خلال استخدام نظام الرقابة الإلكتروني «سمارت»، بضبط ودراسة 1311 حالة تنبيهات، تم رصد 41 حالة اشتباه منها، في مخالفة لأنظمة السوق المالية، كما تم اتخاذ الإجراءات المناسبة في حقها، إضافة إلى تسلم الهيئة 348 شكوى متنوعة، تعاملت معها بالشكل الذي يحافظ على حقوق الأطراف المعنيين أصحاب العلاقة.
وبغرض التعزيز من كفاءة السوق المالية السعودية والحد من المضاربات العشوائية وغير المدروسة، قامت هيئة السوق المالية أخيراً بمراجعة ضوابط الاستثمار المنظمة لاستثمار الشركات المدرجة في السوق المالية، ودراسة أيضاً المعوقات التي تواجه إدارات الشركات المساهمة في تطبيق هذه الضوابط، وتبعاً لذلك تمت إعادة صياغة عدد من تلك الضوابط، بالشكل الذي يكفل مصلحة الشركات المدرجة في السوق، ويحقق لها في الوقت نفسه مستويات الكفاءة المطلوبة في السوق.
من بين أبرز ملامح تلك الضوابط، السماح بشراء أو بيع الأوراق المالية من خلال صندوق استثماري أو من خلال محفظة استثمارية خاصة يديرها شخص مرخص له من قبل هيئة السوق المالية، وفقاً لعقد إدارة تقره الهيئة يحقق فصلاً تاماً بين الشركة وقرارات الاستثمار، هذا ويستثنى من ذلك، الاستثمار لفترة سنة أو أكثر، على أن تلتزم الشركة بعدم بيع الورقة المالية قبل مرور سنة من تاريخ آخر عملية شراء للورقة المالية العائدة للمصدر نفسه.
جدير بالذكر أن هيئة السوق المالية، تهدف من جراء استثناء الاستثمار طويل الأجل من شرط وجود عقد إدارة مع شخص مرخص له، إعطاء الشركات المدرجة المرونة اللازمة لاتخاذ القرارات الاستثمارية الخاصة بها، أما بالنسبة للشرط الخاص، بوجوب إبرام الشركة عقدا مع شخص مرخص له لإدارة استثماراتها قصيرة الأجل، لكون ذلك سيحد من المخاطر المصاحبة للاستثمار قصير الأجل، بما في ذلك المضاربات غير المبررة على الأسهم، التي ربما تضر بالسوق وبالمستثمرين على حد سواء.
من بين كذلك الضوابط الأخيرة الصادرة عن هيئة السوق المالية، السماح للشركات العاملة في قطاعي البنوك والتأمين إدارة استثماراتها في سوق المال دون الحاجة إلى وجود وسيط مرخص له من الهيئة، وذلك نظرا لطبيعة نشاطها الرئيس المرتبط بالاستثمار، فضلا عن أن شركات قطاعي البنوك والتأمين تخضع لضوابط صادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي.
خلاصة القول، إن هيئة السوق المالية اتخذت خلال السنوات القليلة الماضية عدداً من الإجراءات والقرارات، التي أسهمت بفاعلية قصوى في التحسين من أداء السوق المالية، وتجنيبه أن يكون عرضة للتقلبات الحادة (صعوداً أم هبوطاً), وكما حدث في الماضي، بسبب ضعف القنوات الاستثمارية في السوق، ومحدودية الشركات المدرجة، هذا إضافة إلى تدني مستوى الشفافية والإفصاح، كما أن إعادة دراسة الضوابط الخاصة بشراء وبيع الأوراق المالية في السوق، التي نتج عنها على سبيل المثال السماح للشركات العاملة في قطاعي البنوك والتأمين من إدارة استثماراتها بنفسها، دون الحاجة إلى اللجوء إلى وسيط، فإن جميع هذه الإجراءات وغيرها، ستعزز ــ بإذن الله ــ ثقة المتعاملين بالسوق، ومن قيمة الاستثمارات، كما أنها ستضاعف من قدرتها على جذب الاستثمارات، ودخول مستثمرين جدد، والذي بدوره سيحقق النفع للجميع، سواء للممولين أو المستثمرين أو المقترضين، وحتى للشركات المدرجة، وشركات الوساطة، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي