الحوار الوطني وخطابنا الثقافي

المساحة الكبيرة التي أفردها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني لقراءة قضايا الخطاب الثقافي السعودي، وطرح الأسئلة الراهنة حول هذا الخطاب تجعل المتابع للشأن الثقافي في حالة تأمل دائم في بنية هذا الخطاب وعناصره الثابتة والمتحولة معا.
إن إعادة صياغة هذا الخطاب، وتطويره وتجديده بات من الضرورة بمكان بحيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى ملاءمة هذا الخطاب لما تقدمه المملكة اليوم للعالم من إسهام حواري، ودعوة للحوار الذي يؤصل للتعايش والتعاون عبر ثقافته وقيمه وآدابه.
ويأتي دعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أيده الله - للحوار، وطرحه مبادرته العالمية للحوار بين أتباع الديانات والثقافات والفلسفات الوضعية ليشير إلى أن المملكة قد اتخذت الحوار سمة من سمات الثقافة الراهنة، وسمة من سمات خطابها الفكري والثقافي، بحيث أصبح الأمران: الحوار والخطاب الثقافي متلازمين في كل محفل، وكل منبر يحتفي بثقافة الحوار، والوسطية والاعتدال والتسامح.
إن المساحة الكبيرة التي يقدمها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني للخطاب الثقافي، حيث عقد بداية هذا العام في السادس من المحرم في محافظة الأحساء لقاء حول قضايا الخطاب الثقافي، ثم ها هو يعقد اليوم لقاء آخر لمناقشة علاقة هذا الخطاب بالهوية والعولمة من خلال النقاش حول: الخصوصية، والمواطنة، ومستقبل الخطاب الثقافي، هذه المساحة تحفزنا لمحاورة هذا الخطاب، وتوسيع قيمه وعناصره.. فهو لا يعتمد على العادات والتقاليد فحسب، ولا على العناصر الوجدانية الكامنة في الوعي الجمعي فقط، ولا على التراث والتاريخ والجغرافيا، ولا على الإبداع الأدبي شعرا ونثرا ورواية وقصة، بل إنه يعتمد بالدرجة الأولى على توظيف هذه العناصر، وكيفية تجديدها وتقديمها للمجتمع بصيغة أكثر قبولا وأكثر معايشة للحظة الراهنة.
كما يقدمها بصورة تعبر عن هذا المكون الثقافي الذي تختزنه بلاد الحرمين الشريفين، وتختزنه البلاد التي احتضنت جواهر التراث العربي والإسلامي، بكل تنوعها الثقافي، وبكل أطيافها الفكرية.
في خطابنا الثقافي عناصر أصيلة تستمد قيمها من العمق الديني الإسلامي لهذه البلاد، ومن العمق التاريخي العربي، ومن الموقع الجغرافي الذي يتوسط أمتنا العربية، وأيضا من البعد السياسي والاقتصادي لهذه البلاد التي هي قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
إذا استثمرنا بحق هذه العناصر، ووظفناها بشكل متميز وخلاق يعطي مساحة كبيرة لمختلف أشكال العمل الثقافي، والفكر والإبداع الأدبي، فسنوصل خطابا جديدا مغايرا، لا ينتقص من قيم الشعوب والثقافات الأخرى، ولا يحصرنا في خصوصية تقليدية ويعزلنا عن منجزات عصر الاتصال.. هذا الخطاب المغاير سيشكل صورتنا التي نزهو بها، ويتواصل مع دعوة المملكة للحوار العالمي وطرح ثقافة الحوار والتعايش والسلام والتعاون.
إن اجتماع النخب المثقفة لمناقشة قضايا الخطاب الثقافي من الأهمية بمكان بحيث يتم التقارب بين الأطياف الفكرية، والالتئام حول عناصر متواشجة من قيم الخطاب الذي لن يبقى معزولا بالضرورة عن حاجات المجتمع، وعن طموحاته وتصوراته الأصيلة والمعاصرة في وقت واحد، وسيشكل بلا ريب نقطة تحول تاريخية في تعاملنا مع الآخر، سواء كان هذا الآخر على المستوى الوطني، أم العربي أم العالمي.
إن في حوارنا قيما أصيلة، وفي خطابنا الثقافي ما يؤكد هذه القيم، وما يسعى إلى نشرها، وطرحها عبر مختلف العناصر والوسائل الثقافية المتعددة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي