شركات المقاولات الأجنبية ماذا أضافت؟!!
قرأت قبل عدة أيام في صحيفة ''الرياض'' تصريحا من وزارة المالية يفيد بأن السبب في تعثر بعض المشاريع عائد إلى كثرتها وضخامتها، ووزارة المالية تشكر على إطلاق هذه المشاريع العملاقة والكثيرة من أجل انتهاز فرصة الوفرة المالية في هذه السنين الخيرة, وانتهاز الوقت لتنفيذها قبل أن يحدث ما يعوق تنفيذ هذه المشاريع ـ لا سمح الله ـ كما حصل في التسعينيات.
وبصفتي كنت أحد المقاولين منذ أكثر من 35 عاما في ذلك الوقت كانت المشاريع قليلة جدا وإمكانات المقاولين أيضا متواضعة، وكنا نعول على مسؤولي وزارة المالية في دعمنا ومحاولة اقتصار المشاريع على المقاولين السعوديين، أما اليوم وكون المشاريع كبيرة جدا لدرجة أن السوق السعودية لا تستطيع استيعابها سواء من ناحية إمكانية المقاولين أو موجودات مواد البناء وتوافرها في الأسواق لذا لجأت وزارة المالية إلى إعطاء بعض مشاريعها الضخمة إلى شركات أجنبية من أجل الاستعانة بهذه الشركات وحل مشكلة تعثر تلك المشاريع. ولكن المشكلة لم تحل على الإطلاق لأنه لم يعمل تنظيم أو آلية لهذا التوجه، ولم توضع أيضا شروط ملائمة لتحقيق هذا الهدف. فعندما يرسى المشروع على إحدى هذه الشركات تقوم ـ مع الأسف ـ بتجزئته وتوزيعه على المقاولين السعوديين من الباطن، لذا أقول إننا لم نحصل على الهدف والغاية المنشودة بالاستعانة بهذه الشركات العالمية الكبيرة، بل إننا جلبنا شركات كبرى لتستعين بنا مع استمرار ضعفنا ولم تضف لنا شيئا جديدا.
وأقترح من خلال خبرتي الطويلة في هذا المجال أن تكون المشاريع مصنفة من مشاريع استمرارية سنوية حسبما تستوعبه السوق السعودية، والمشاريع الكبيرة لا تعطى إلا الذين يستطيعون تنفيذها من المقاولين السعوديين وما يفيض من هذه المشاريع والمشاريع الطارئة مثل مشروع إسكان مدينة جازان نتيجة لما حصل من إخلاء لقرى بأكملها يفسح فيها المجال للشركات الأجنبية خاصة الصينية والكورية التي تمتلك خبرة طويلة في هذا المجال وتملك المنافسة، بشرط أن تلتزم هذه الشركات بتنفيذ تلك المشاريع بطاقتها الذاتية من كوادر بشرية وفنية وأيضا المعدات والمواد إن أمكن ودون المساس أو اللجوء إلى السوق السعودية، ما يتسبب في ارتفاع الأسعار ويكون ضحيتها المواطنون السعوديون أصحاب المشاريع الخاصة التي يسهمون بها في هذه النهضة العمرانية، والمواطنون الذين شرعوا في بناء سكن لهم ولأولادهم، ويمنع منعا باتا أن تقوم هذه الشركات بإسناد تلك المشاريع من الباطن، وبعد الانتهاء من هذه المشاريع لا يفرج عن الضمانات المالية لتلك الشركات إلا بعد ترحيل عمالتها التي دخلت المملكة فقط للعمل في هذه المشاريع ونقل آلاتها التي جلبت للإنشاء والبناء إلا إذا التزمت بمشروع جديد، وبهذا لن تكون لدينا عمالة متخلفة بسبب هذه الشركات ونكون قد حققنا الهدف من وجود هذه الشركات وهو الاستفادة من خبرتها وحققت لنا المشاريع التي كلفت بها على أكمل وجه.
أما ما يعطى للمقاولين السعوديين من فئة المشاريع الكبيرة فيكون بناء على تصنيفهم الذي حدد مقدرتهم في سبيل ألا يتجاوز ما يلتزمون به حدود قدراتهم المالية والفنية، وفي حالة إنجازهم 50 في المائة مما التزموا به فيمكن إضافة مشاريع أخرى لهم في حدود تلك الإمكانات، وكذلك يمنعون من إعطاء مشاريعهم من الباطن لمقاولين ضعيفي الإمكانات، حيث نلاحظ أن المقاولين يبالغون في التوسع وأخذ أكبر عدد من المشاريع حتى يصبحوا أشبه بماكينة ثلاثة أحصنة تسحب 30 حصانا فحتما ستتوقف, ثم تبدأ الحجج بنقص العمالة وفقدان المواد الخام.
أما المقاولون محدودو الإمكانات فبإمكانهم أخذ مشاريع على قدر إمكاناتهم مباشرة من الجهات الحكومية دون اللجوء إلى المقاول الكبير وأخذ مشاريع بأسعار زهيدة وهذا ما يحصل الآن، وفي اعتقادي إذا حصل هذا التنظيم فستختفي هذه المشكلات ولا أقصد بهذا الاقتراح حرمان أي مقاول سعودي من حقوقه ولكن التنظيم إذا وجد استفاد الجميع، وأول المستفيدين هو المقاول نفسه.
وللمعلومية ولتأكيد ما تحدثت عنه فقد مرت على أحد الأشخاص الذين أعرفهم إحدى هذه الشركات الصينية لتفاوضه على تنفيذ بعض مشاريعها العملاقة, وبعد أن اعتذر عن المشروع أخذهم الوسيط إلى مكتب هندسي لا تتجاوز إمكاناته أكثر من تنفيذ دبلكس وفاوضوه على تنفيذ مشروع في حدود المليار.. إنها ليست مصيبة ولكنها قمة المصيبة.