«نعم» المعادلة صعبة ولكن حلها ممكن
على الرغم من أن توفير الإسكان الملائم يعد من أهم القضايا الاجتماعية والمطالب الاقتصادية الأساسية لأي مجتمع، وأن أكثر من 80 في المائة من النسيج العمراني في المناطق الحضرية مخصص للإسكان، وأن تراخيص بناء المساكن تمثل قرابة 90 في المائة من إجمالي تراخيص البناء لدينا، وأن قطاع البناء هو ثاني أكبر قطاع اقتصادي، وأن المجتمع السعودي مجتمع فتي غالبية هرمه السكاني من صغار السن والشباب المقبلين على الزواج، بما يعني ارتفاع معدلات تكوُّن الأسر الجديدة، ومن ثم ارتفاع معدلات الطلب على المساكن؛ إلا أن معادلة توفير المساكن الملائمة للأسر وتمكينها من الحصول عليها وامتلاكها - في ظل الارتفاع المتزايد لأسعار المساكن وزيادة تكلفة الإيجارات خصوصاً في المدن الرئيسة - لم تحل بعد، بل أصبح حلها أكثر صعوبة، وحلها لا يمكن أن يتم إلا بزيادة دخل الأسرة أو بتوجيه سوق الإسكان ودفعه إلى توفير مساكن ميسرة ومستدامة ذات تكلفة منخفضة، ولكن الواقع قد أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن السوق المحلية لن تتمكن من تحقيق لا التيسير ولا الاستدامة في الإسكان من غير دعم وتوجيه مرتكز على الدراسات البحثية الإسكانية المتخصصة التي ينبغي أن تخرج من رحاب الجامعات السعودية بتعاون الهيئة العامة للإسكان ودعمها.
إن إجراء الدراسات البحثية التطبيقية والتطويرية لمختلف الجوانب التصميمية المعمارية منها والعمرانية للمساكن وللأحياء والمجمعات السكنية، وكذلك للأنظمة الهندسية التي تعمل على توفير مساكن ذات عمر افتراضي أطول وتكاليف صيانة وتشغيل أقل، والعناية أيضاً بتطوير تقنيات إنشاء من المواد المتوافرة محلياً وجعلها أقل تكلفة وأكثر متانة وأسرع في أعمال التنفيذ، إضافة إلى إعداد الدراسات الاجتماعية لتحديد المتطلبات الوظيفية للأسر في مساكنها بحسب خلفياتها الاجتماعية والاقتصادية، والدراسات الاقتصادية لتحديد مقدرة الأسر على الإنفاق على المسكن، والدراسات الديموغرافية لتحديد توزيع الكثافات السكانية ومناطق وجودها، والدراسات البيئية بحسب المناطق والمدن، وغيرها من الدراسات؛ ستكون - في اعتقادي - السبيل الوحيد لتقديم حلول وأفكار مبتكرة لتوفير مساكن ميسرة ومستدامة.
فهل يُقبل أن يكون لدينا في المملكة 24 جامعة حكومية، وثماني جامعات أهلية، يبلغ عمر أقدمها أكثر من نصف قرن، وبها مئات الأقسام العلمية في التخصصات البينية جميعها (المعمارية والهندسية والاجتماعية والجغرافية والديموغرافية) ذات العلاقة بالإسكان، ولا يوجد لدينا مركز واحد متخصص في أبحاث الإسكان؟! إن عدم الاستفادة من القدرات العلمية والبحثية المتوافرة في الجامعات السعودية وإهمال توظيفها لإجراء الدراسات والأبحاث التطويرية والتطبيقية لتقديم خطط وأفكار ومبتكرات تعمل على تمكين سوق الإسكان من توفير منتجات إسكانية ميسرة تراعي متطلبات المجتمع، واحتياجات الأسر وتوافق قدراتها المالية، وتقديم مساكن مستدامة تحسن من مستوى جودة حياة السكان، وتحد من استهلاك للمياه والكهرباء، وذات عمر افتراضي أطول، ولا تتطلب جهداً كبيراً للعناية بها وتنظيفها وصيانتها؛ إن عدم الاستفادة منها يشير إلى خلل في منظومة التكامل بين الجامعات ودورها في خدمة المجتمع وقضاياه الأساسية.
وأنا كلي يقين بأننا سندرك في وقت ما أن حل المعادلة الصعبة ممكن من خلال مركز بحثي متخصص في الإسكان يُنشأ في إحدى الجامعات السعودية بدعم مباشر من الهيئة العامة للإسكان، ولكني أتمنى أن لا نصل إلى هذا اليقين في وقت متأخر جداً.