نسيان 13 من مايو يظل أمراً خيالياً
أخفقت في كتابة مقال حول مسيرة 13 من أيار (مايو) هذا العام، حين كانت الأيام تمضي بوتيرة سريعة، وفاتني الأمر، حيث مر هذا التاريخ دون أن أكتب عنه. غير أن ذلك لم يصبح مشكلة بالفعل، إذ شجعني على العودة إلى المضي في هذا الأمر، والإدلاء بدلوي، ولو في وقت متأخر حول أهمية الاحتجاجات العنصرية، وذلك بأن أسلط الأضواء على الحجج التي ساقها منظمو مسيرة 13 من أيار (مايو) في ترنغانو، لفترة أخرى، وذلك بضغوط من جانب رئيس الوزراء الماليزي، نجيب عبد الرزاق، وعدد آخر من أصحاب وجهات النظر المعتدلة من مجتمع المالاي، بل حتى من جانب المفتش العام للشرطة في ماليزيا.
لم يكن بين كل هذه الشخصيات رئيس الوزراء الأسبق، مهاتير محمد الذي أدهش مواطني بلاده بإبداء موافقته على انطلاق المسيرة. وسبق لمهاتير أن بعث مزيدا من الاستغراب في النفوس حين أعلن إطلاق مجموعة يمينية من المالاي أطلق عليها اسم ''بركاسا''، وذلك في 27 من آذار (مارس) من العام الحالي. ويتساءل كثير من المواطنين، بمن في ذلك عدد من المؤيدين السابقين له، ما إذا كان الحصول على منطلق للحديث هو الشغل الشاغل لمهاتير محمد في الوقت الراهن. ويبدو ذلك غير محتمل في ظل تلك الشعبية الهائلة التي تحظى بها مدونته على شبكة الإنترنت. غير أنه كان من الصعب أن يخطر على البال سبب آخر لإنشاء تلك المجموعة في ذلك الوقت.
كان يمكن للإثارة الناجمة عن تلك الخطوة أن تكون قوية بصورة تتسم بدرجة عالية من الخطورة، حيث سارعت أطراف سياسية عديدة إلى معارضة تلك الخطوة، والتحدث بطريقة معارضة لها. وإن الطلب من المالاي السعي إلى الوحدة والعمل المشترك شيء، بينما القيام بمثل تلك الخطوة في ذلك التاريخ المأساوي أمر لا يمكن فهمه إلا كتصرف من جهة تعمل على تسخين الأمور من أجل خوض معركة ما. لقد غامر منظمو المسيرة بتأجيل انطلاقها إلى حين آخر، وذلك لأن التوقيت الأصلي كان غير سليم. والحقيقة أن الفكر وراء اعتبار ذلك التاريخ توقيتاً غير ملائم، يعد تفكيرا مبدعاً، ويحمل في طياته كثيرا من عوامل الأصالة. ويفتح هذا الأمر كل الاحتمالات الفلسفية للتفسير. ويمكن أن يحسب ضمن إيجابيات رئيس الوزراء العمل على تأجيل هذه المسيرة، حيث إن هذه الخطوة من جانبه كانت أمراً حيوياً فيما يتعلق بموقف حلفائه من غير المالاي، إذ إنه أظهر موقفاً مسؤولاً إزاء هذا الأمر الحرج. وأياً كان الوضع الفعلي، فإن كل هذه التطورات في هذا الجانب من الحياة السياسية الماليزية تدلنا على أن رئيس الوزراء يواجه تحديات قوية ضمن دائرته الانتخابية. وفي ظل لغة الخطاب الجديدة التي يحاول رئيس الوزراء التحدث بها، وذلك في سبيل طبع علامة مميزة على إداراته، نجد أن هناك مقاومة متزايدة له من جانب عدد من زعماء المالاي، وأن ذلك ليس أمراً مفاجئاً له.
لقد طرح رئيس الوزراء عدداً من الشعارات، والمفاهيم، والتطلعات ضمن أجندته السياسية خلال العام الماضي. ويتضمن ذلك شعار ''الناس أولاً في ماليزيا، وعلينا ممارسة الأداء على الفور''، وكذلك ''البرنامج التحولي الحكومي'' القائم على مراقبة المجالات المؤثرة من النتائج الرئيسة. وطرح إضافة إلى ذلك ''برنامج التحول الاقتصادي''، وذلك في سبيل الانتقال بماليزيا لكي تصبح بلداً متقدماً. وتم التعبير عن هذا البرنامج ضمن النموذج الاقتصادي الجديد.
إن أهم ما يمكن ملاحظته حول كل هذه المبادرات هو أن الحكومة الاتحادية تدرك المجالات التي هي في أمس الحاجة إلى إجراء الإصلاحات. والحقيقة هي أن المعارضة سبق لها أن كثفت الحديث حول تلك المجالات منذ فترة زمنية طويلة. غير أن رئيس الوزراء يعرف على الصعيد التخطيطي أن عليه أن يعكس اتجاه العلاقات بين الأعراق، وكذلك أن يتخلص من الحكم الرديء، وأن يقضي على الممارسات الاقتصادية السيئة.
أما ما إذا كانت المؤسسة السياسية عالقة بدرجة عالية من القوة في الرمال المتحركة الخاصة بالعنصرية، والمحاباة، والمصالح الخاصة، والفساد، وعدم الكفاءة، بدرجة يمكن أن تعمل على إعاقة الممارسة الصحيحة للحكم، والقيام بالمهمات المستحيلة، فإن تلك هي القضية الأهم.
ضمن عالم أولئك الذين يمكن أن يتصوروا إمكانية القيام بمسيرة كبرى في ذكرى أسوأ اضطرابات عنصرية شهدتها البلاد طوال تاريخها، فإن 13 من أيار (مايو) لم يكن بمثابة مأساة، وإنما هو لحظة حاسمة كانت فيها السلطة السياسية الحقيقية للزعماء اللبراليين للبلاد مختطفة من جانب رئيس وزراء ماليزيا في ذلك الحين، تونكو عبد الرحمن. وإن في أذهانهم صورة تجعل من تلك الذكرى مناسبة قريبة من مناسبات تحقيق النصر التي نحتاج إلى الاحتفال بها على الدوام. وكانت فكرتهم في تحريك عواطف أبناء المالاي في تلك المناسبة أمراً اعتبر بمثابة نوع من التحدي القوي لهدف رئيس الوزراء لكسب ولاء وتأييد المجموعات من خارج عرق المالاي، وكذلك محاولته لمنح قوة دافعة جديدة لعملية الاقتصاد الماليزي.
إن مدى فشل رئيس الوزراء في إقناع شركائه في حكومة التحالف الحالية بالحوافز التي يمكن أن يقدمها إليهم من خلال الوقائع الاقتصادية الحقيقية، بدلاً من الطموحات الضيقة من جانبه للاحتفاظ بمركزه في السلطة، سيزيد من المعارضة له من جانب كل تلك الفئات التي نرى أن السياسة الماليزية مجرد معركة بين الأعراق، حيث لا بد من أن تكون اليد العليا لأحد منها.
لقد مضى 41 عاماً على الاضطرابات العنصرية المعروفة باضطرابات 13 من أيار (مايو)، وأن ما يستحق أن نذكره، عاماً بعد عام، هو أن تلك الاضطرابات كانت مأساة، وأن على الماليزيين أن يجدوا مخرجاً بعيداً عن تلك الذكرى بالاتفاق على أن الحدث كان بمثابة جهنم التي ابتعدوا عنها، على أن يكون ذلك الابتعاد إلى الأبد.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: opinionasia