الاستثمار في نظم وبرامج تقنية المعلومات.. الفرص المهملة عربياً

كانت التقنيات الحديثة فيما مضى حكراً على الدول الصناعية الكبرى فلا ينقل من تقنياتها للدول الأخرى إلا ما توافق عليه الدولة المصنعة - صاحبة الامتياز - بالشكل والمقدار الذي يضمن سيطرتها على منتجاتها وجباية جزء مقنع من ريعها بلا انقطاع. أما وقد تغير جزء من الوضع مع دخول عصر العولمة ومع تطور تقنية المعلومات، خصوصاً الجانب الذي يخص النظم والبرمجيات، فقد أتاح للدول النامية فرصة استثماره استثماراً ينتشلها من موقع المستهلك لكل شيء إلى المنتج ولو لشيء، فكل ما يحتاج إليه إنتاج النظم والبرمجيات هو العقول القادرة على التحليل والتطوير مع مستثمر قوي لديه الهمة والإمكانية للاستثمار الأمثل في هذا الجانب المهم ذي الريع الضخم والمجزي. والحقيقة أن بعض دول شرق آسيا، خصوصاً الهند، تنبهت لذلك فأصبحت تنافس الدول الصناعية بشكل واضح في هذا المجال، كما يشير عديد من الدراسات، ومنها الدراسة التي أعدت بواسطة Zinnov في آب (أغسطس) 2009 والتي تشير إلى أن أرباح صناعة برامج وتطبيقات تقنية المعلومات في الهند للسنوات الثلاث 2006 - 2008 نمت بشكل مطرد بنسبة 44 في المائة، وبلغ حجم إنفاق الهند لعام 2008 على شراء برامج الحاسب من الشركات العالمية 1,84 مليار دولار، بينما استطاعت شركاتها بيع ما قيمته 960 مليون دولار خارج الهند في العام نفسه، هذا فضلاً عن تغطيتها بنسبة كبيرة للاحتياج الوطني من تلك البرامج والتطبيقات. وفي المقابل نجد الدول العربية إجمالاً في الوقت الذي تحقق نجاحاً متميزاً في ردم الفجوة الرقمية من حيث نمو استخدام الحاسب والإنترنت وازدياد اعتماديتها على إدارة أعمالها الحكومية والخاصة على تقنية المعلومات حينما تفصح تقاريرها ودراساتها فيما يخص هذا الجانب، فهي تتحدث بوضوح عن أحجام الإنفاق بالمليارات فيما الإنتاج في هذه التقنيات يتمحور في الداخل فقط على شكل إعادة بيع أو تعديل منتجات لشركات خارجية وتقديم خدمات ودعم فني.
الحقيقة أن الفرصة كبيرة وذهبية للدول العربية إجمالاً، والخليجية بشكل خاص، للاستثمار في جانب برامج وتطبيقات الأعمال والحلول التعليمية بشكل عام، ومنها ما تكلمت عنه في المقال السابق حول «العالم الافتراضي ثلاثي الأبعاد» وذلك للأسباب الأربعة التالية:
أولاً: لوجود الموارد المالية الضخمة والتي يمكن استثمار جزء منها بشكل قوي في هذا المجال بما يضمن الغلبة في المنافسة العالمية.
ثانياً: لتوافر جزء كبير من الموارد البشرية ذات الكفاءة العالية في هذا الجانب خصوصاً في مصر، ثم لسهولة استقطاب أمهر وأنبغ العقول في هذا المجال من أي دولة في العالم، كما يمكن إعداد وتدريب الكوادر الوطنية بشكل أفضل من خلال هذا الاستثمار.
ثالثاً: لتوافر الطلب المحلي والعالمي بشكل كبير جداً لهذه التقنيات وخدماتها والتوقعات الكبيرة لنموعائداتها، وقد ذكرت سابقاً أنه بحسب تقرير GigaOM من المتوقع أن تبلغ العوائد السنوية للاستثمار في تقنية التفاعل الإفتراضيImmersive Virtual Technology في عام 2014 ما بين ثمانية وعشرة مليارات دولار. ويكفي أن تعلم أنه بحسب تقرير لموقع Gossip Gamers المتخصص في تقييم ونشر الدراسات عن الألعاب، أن شركة Activision Blizzard المتخصصة في تطوير ألعاب الكمبيوتر أعلنت تحقيق لعبة Warfare 2، وهي لعبة عصابات، ما قيمته 550 مليون دولار خلال الأسبوع الأول فقط من إطلاق هذا الإصدار!! فكم تبلغ أرباح تلك المنتجات إذا كانت تكاليفها تراوح بين 20 و100 مليون دولار للعبة الواحدة!! حيث كلفت على سبيل المثال لعبة America’s Army ما يقارب 32 مليون دولار، ولعبة Grand Theft Auto IV كلفت مبلغ 100 مليون دولار، بينما لعبة Fantasy XII كلفت 35 مليون دولار أمريكي.
رابعاً: إن الاستثمار في هذا الجانب المهم سيغطي جزءاً من الاحتياج المحلي الكبير، وهذا هدف استراتيجي مهم يسمح بتدوير الأموال استثمارياً في الداخل ويوفر فرصا أكثر من الوظائف للمواطنين، إذ إن حجم الإنفاق على مستوى الأفراد والمؤسسات محلياً وعربياً ضخم جداً، ففيما يخص أعداد المستخدمين بيّنت النشرة الإلكترونية لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات لشهر ربيع الآخر من هذا العام 1431هـ، أن عدد مستخدمي الإنترنت في السعودية نما من مليون مستخدم في 2001 إلى 9,8 مليون مستخدم بنهاية 2009، وذلك بمتوسط نمو سنوي بلغ 33 في المائة، وبهذا أصبحت نسبة انتشار الإنترنت نحو 38,3 في المائة بين سكان المملكة. ولذلك ولحرص الدول العربية على التحول إلى مفهوم الحكومات الإلكترونية فقد نمت نسبة الإنفاق على التقنية بشكل كبير، ووضح تقرير نُشر في جريدة «الرياض» في عددها ليوم الأحد 6 صفر 1430هـ، أن منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا تنفقان 75 مليار درهم سنويا على تقنية المعلومات، ومن المتوقع أن تنمو إلى 349 مليار درهم إماراتي في غضون ثلاث سنوات. أما في المملكة وحدها فقد نقلت صحيفة «الجزيرة» في عددها الصادر بتاريخ 10/05/2010 عن معالي محافظ هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، أن حجم الإنفاق على تقنية المعلومات في المملكة لعام 2009 يتجاوز 22 مليار ريال، وأنه من المتوقع أن يزداد الإنفاق على تقنية المعلومات خلال السنوات القليلة القادمة إلى ما يقارب 37 مليار ريال بحلول عام 2013.
الحقيقة أنه توجد استثمارات كبيرة وضخمة في المنطقة، وخصوصاً في السعودية، ولكن أغلبها غير منظم ويفتقر للمنهجية في التنسيق وتغطية الاحتياج، كما أنها تركز على إعادة بيع وتوزيع المنتجات الأجنبية أو تطبيقها ودعمها داخلياً فيما يتركز تطوير النظم والبرامج في معظم الجهات المستثمرة، خصوصاً القطاعات الحكومية على تطوير نظم إدارة الموارد المالية والبشرية والخدمات الإلكترونية للاستخدام الذاتي فقط دون التنسيق لتطوير منتج وطني واحد يلبي احتياج تلك الجهات. ومع هذا فعمليات التطوير تدار بشكل سيئ جداً يفتقر لمقومات النجاح والاستمرارية طويلة الأمد، لذا نجد عدداً من تلك الجهات الحكومية بدأ الاستغناء عن نظمها السابقة والانتقال لمنتجات عالمية بشكل منفرد أيضاً!! والغريب أن البنوك السعودية، وهي الأكثر تنظيماً وتفعيلاً للتقنية وحرصاً على جودة منتجاتها، تعمل في الغالب بشكل منفرد في تطوير نظمها من خلال مجموعات عمل متميزة في الداخل مع شركات غالباً أجنبية تعمل من الخارج.
ختاماً، فإن الفرص كبيرة جداً للاستثمار في تطوير أنظمة وخدمات وبرامج تقنية المعلومات للاحتياج والطلب الكبيرين في الداخل والخارج، ونحن بحاجة لشركات كبيرة مساهمة متخصصة في هذا الجانب تبنى على أسس صحيحة وتتبنى منهجيات عمل عالمية ناجحة في مثل هذه الأعمال وتهتم بالجودة العالية التي تدعم التنافس محلياً وعالمياً. وأنا أرى الأفق واسعا يكتظ حقيقة بالفرص التي لم تطرق أبداً محلياً وإقليمياً هذا المجال، والاستثمار فيها يتطلب رأسمالا كبيراً وإدارة واعية لمتطلبات الزمان والمكان والمتغيرات السريعة القادمة، ولأن كانت هناك محاولات محدودة فاشلة في مثل هذا النوع من الاستثمار سابقاً، فهذا يرجع لآليات العمل ومنهجياته بشكل مؤكد، ولعلي أتطرق للتحديات الثقافية والإدارية لمثل هذه الاستثمارات، وكيف يمكن تجاوزها في مقال لاحق إن شاء الله.
،، ودمتم بخير وسعادة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي