مبدأ المشروعية

يقصد بالمشروعية أن تخضع الدولة بكياناتها وهيئاتها وأفرادها جميعهم لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية وألا تخرج التصرفات عن هذه الحدود، وإذا جاءت أعمال جهة الإدارة غير مراعية لأحكام الشرع والقانون، فإنها تدخل في دائرة البطلان, لفقدانها المشروعية.
والأساس الذي يقوم عليه مبدأ المشروعية يختلف باختلاف الظروف السياسة والاجتماعية والاقتصادية، فكل ظرف له أحكامه الخاصة, ففي حالة الحروب والطوارئ تتغير أسس المشروعية لاعتبارات المصلحة العامة فقد تتصرف جهة الإدارة بتصرفات تعد في الأحوال العادية فاقدة للمشروعية مثل: فسخ العقود الإدارية، والإسناد المباشر في المنافسات الحكومية، بل قد تصدر القرارات من قبل أشخاص غير مختصين، وتقبل نظاماً, وذلك لتسيير إدارة المرافق واستمراريتها, ولا يُطعن فيها لاعتبارها ضمن أحكام الموظف الفعلي, والشاهد مما تقدم أن مبدأ المشروعية يختلف أساسه على حسب المتغيرات والأحوال، والقاضي الإداري هو الذي يفحص هذه المتغيرات، ويوازنها مع مقتضيات العدالة بما له من سلطة تقديرية.
ومبدأ المشروعية يستند إلى مصادر, وهذه المصادر تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: المصادر المكتوبة
تشمل المصادر المكتوبة في السعودية القرآن الكريم والسنة المطهرة، والأنظمة التي يسنها ولي الأمر وعلى رأسها النظام الأساسي للحكم الذي يعد أعلى التشريعات في الدولة, ويقع في قمة الهرم القانوني، ويسمــــو على جميع الأنظمة والقواعد القانونية الأخرى - بعد القرآن والسنة ـ لأنه يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقته بالمواطنين وحقوق الأفراد وحرياتهم، والاختصاصات الأساسية لمختلف السلطات العامة في الدولة.
ولذلك إذا صدرت بعض اللوائح التنظيمية وكانت مخالفة سواءً نصاً أو ضمناً للنظام الأساسي للحكم، فإنها تعد باطلة لفقدانها المشروعية, وأذكر على سبيل المثال: أن إحدى الجهات الحكومية نظمت طريقة معينة لفرض غرامات، ولم يصدر بذلك أي نظام وفقا للإجراءات المتبعة، وأقيمت دعاوى إدارية على هذه الجهة، فأصدرت المحكمة الإدارية بديوان المظالم حكماً يقضي ببطلان هذا الإجراء من قبل جهة الإدارة وإلغاء كل القرارات الناتجة عن هذه التصرف، واستندت في ذلك إلى نص المادة (20) من نظام الأساس للحكم: ''لا تفرض الضرائب أو الرسوم إلا عند الحاجة وعلى أساس من العدل.. ولا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها أو الإعفاء منها إلا بموجب نظام ''ويدخل في المصادر المكتوبة جميع الأنظمة واللوائح التنظيمية والتفويضية والضبطية المتوافقة مع الأنظمة الأساسية.
القسم الثاني: المصادر غير المكتوبة
ويدخل فيها النظام العام للبلد, وهي مبادئ يستنبطها القضاء والجهات التنظيمية، ويعلن عن ضرورة التزام الإدارة بها، والذي يكشف عن هذه المبادئ هو القاضي من خلال الضمير الشرعي والقانوني العام في الدولة ويطبقها على ما يعرض عليه من منازعات.
ومن تلك المبادئ: مبدأ المساواة أمام المرافق العامة، ومبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية، ومبدأ الحق في التقاضي.
والقضاء الإداري بهذا المعنى لا يخلق المبادئ العامة للقانون، إنما يقتصر دوره على كشفها, والتحقق من وجودها في الضمير القانوني للأفراد.
ومن المصادر غير المكتوبة: القضاء
فالمبادئ القضائية الإدارية بحكم أنها تتماشى مع متطلبات الحياة الإدارية تعمد إلى خلق مبادئ وأحكام للقانون الإداري فيصبح القضاء الإداري مصدرا رسميا للقانون الإداري. ومن أهم ميزات القضاء الإداري: أنه لا يخضع للقانون المدني، فالقاضي الإداري إذا لم يجد في المبادئ الشرعية والقانونية نصاً ينطبق على النزاع المعروض عليه يتولى بنفسه إنشاء القواعد اللازمة لذلك، ومن أكثر الأمثلة العملية لذلك: فكرة إعادة التوازن المالي في العقود الإدارية, فعند ارتفاع الأسعار على المقاولين يتدخل القاضي الإداري في القضية الماثلة بين يديه لإعادة التوازن المالي للعقد الإداري.
ومن المصادر غير المكتوبة: العرف الإداري وهو من الأدلة الشرعية والقواعد الفقهية التي يعبر عنها في علم أصول الفقه الأدلة المختلفة, ويسمى عند بعض القانونيين العادة الشفوية, ويأتي دوره في مرتبة أدنى من مرتبة القواعد القانونية، فهو مصدر تكميلي لتفسير النصوص النظامية وشرحها عملياً واستكمال ما نقص منها.
مثل: قبول الإجازة الاضطرارية بعد الغياب الطارئ، مع أن الأصل تقديم الإجازة قبل الغياب, لكن استقر العرف الإداري على قبولها بعد الغياب، لأن الأحوال الاضطرارية في الحياة الوظيفية لها أحكام خاصة، وهذه المصادر الرئيسة هي الأساس الذي يقوم عليه مبدأ المشروعية، وعند الإخلال بها يعد التصرف باطلاً، ويصبح قابلاً للطعن والإلغاء، والخضوع للمشروعية هو الذي يمنح تصرفات الأجهزة الحكومية للدولة طابع المشروعية ويضعها في مصاف الدول القانونية، وهذا الطابع يخلق بين الأفراد الاستقرار, ومعاني العدل والمساواة ويحارب الجريمة المالية والإدارية والفساد الأخلاقي، واستغلال النفوذ الوظيفي وإساءة استعمال السلطة والمحسوبيات، كما أنه يجذب رؤوس الأموال الداخلية، والأجنبية للاستثمار وتوسيع القاعدة التجارية والمناشط الصناعية، وقبل ذلك هو التزام شرعي وانتماء ذاتي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي