سيل الفضائيات الجارف

انتقل الاستثمار أخيرا من الأرض إلى الفضاء، منْ يسمع هذا الكلام يظن أن رجال الأعمال والموسرين يستثمرون في كوكب آخر بحثا عن فرص أخرى للعيش في حياة رغيدة بعيدة عن الهموم والغموم والأسقام مملوءة بالبهجة والحبور.
ولكن الواقع غير ذلك .. فبعض الذين وسَّع الله عليهم في الرزق يلهثون وراء فتح قناة فضائية، وهذا ليس عيبا ما دامت القناة لها أهدافها المخطط لها والتي تنشر الفضيلة وتقضي على كثير من المشكلات التي تواجه الناس في عصرنا الحاضر، وتكون معينا لهم في حياتهم وفي إسعادهم. أما أن يستثمر هذا المستثمر أو ذاك أمواله في فضائيات لا تسمن ولا تغني من جوع وإنما تؤجج الغرائز وتهدم البيوت وتنشر التفكك الأسري وتقطع أواصر القربى وتهدم المبادئ والأخلاق شيئا فشيئا، فهذا أمر مشين للغاية، فأنى لهذا الشخص أن يضر الآخرين ناهيك عن إضراره نفسه!، ألم يسمع قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن ماله من أين أخذه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به".
وفق تقرير عربي صدر حديثاً، بلغ عدد الفضائيات نحو 696 فضائية، تشكل الفضائيات الغنائية نسبة 23.4 في المائة والدينية 8 في المائة والإخبارية 7 في المائة والرياضية 11.4 في المائة والدراما (سينما ومسلسلات) 13.8 في المائة.
نحن لا نقف أمام الناس أو توجهاتهم ولكن هذه التوجهات يجب أن تكون منضبطة بضابط الشرع، فالعمل يجب أن يكون نافعا خالصا لله وتسبقه النية حتى يقبله الله. ولعل في الاستثمار في مشاريع كثيرة تهم البلاد والعباد مدخلا آخر بعيدا عن الشبهات التي قد تدفع صاحبها إلى النار وهو لا يدري.
ورغم ما سبقت التوطئة له إلا أن هناك كثيرا من الفضائيات التي تقدم كل نافع للأمة واستطاعت بفضل الله أولا ثم بفضل القائمين عليها والمخلصين أن تغير في الأمة وتهدي شبابها وتؤثر فيهم تأثيراً إيجابيا فتعرفهم العقيدة الصحيحة وتغرس المبادئ والأخلاق التي بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم -ليتممها؛ قال - صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". والإنسان الحصيف هو الذي يعمل لدنياه وأخراه حتى يسعد في الدارين الدنيا والآخرة. فكم من أموالٍ كانت خسارة ووبالاً على أصحابها لأنها لم تنفق في مرضاة الله أو في عمل يحبه الله ورسوله!
وكم من أموال جلبت لأصحابها السعادة وعمّ نفعها إلى غير أصحابها فظل هؤلاء يحصدون ثمرات ما قدموا من خير. إخراج فضائية إلى النور يجب أن يكون نتاجا لعمل متقن مترابط له أهدافه التي يريد أن يحققها، ولا بد ألا تتعارض هذه الأهداف مع ديننا أو مبادئنا أو أخلاقنا أو أعرافنا؛ فليس صحيحا أننا إذا أردنا أن نربح ربحا هائلا يذهل العقول وفي وقت قصير أن تنتشر الرذائل وأن تعرض المرأة سلعة رخيصة لكي نروج لفكرة ما أو منتج معين. لكن الضوابط التي تضبط هذه الأعمال لا بد أن تحكمها، وليعلم هؤلاء أن الربح الحلال وإن كان قليلا ويأتي بعد مشقة وعناء إلا أن فيه بركة ويمكث في الأرض، قال تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)."الرعد من الآية 17 "وواجب علينا ألا ندمر شبابنا أو بيوتنا ببضاعة فاسدة وألا نكون معول هدم لأوطاننا فإننا سنسأل عن ذلك، وإن كان الله قد منّ علينا بنعمة المال فعلينا أن نوجهها التوجيه الأمثل الذي ينفعنا في الدنيا ويرفعنا في الآخرة.
فعلينا أن نتكاتف لنواجه هذا السيل الجارف من الفضائيات التي شاركتنا في كل شيء وأفسدت على الناس حياتهم حتى ننجو بسفينتنا إلى بر الأمان بعيدا عن الأمواج المتلاطمة.
ونقول لمسؤولي الفضائيات المنضبطة بارك الله لكم في جهودكم وضاعف من أمثالكم، ولنتعاون جميعا حتى نصلح بلادنا وشبابنا ونساءنا وكلَّ منْ له حق علينا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي