الشركات الأجنبية .. والمسؤولية «الاجتماعية»

شهدت السنوات العشر الأخيرة تطورات عدة في بيئة الاستثمار خاصة، وبيئة الاقتصاد الوطني بشكل عام. وشجعت عليها ودفعت إليها تلك الإصلاحات الاقتصادية التي تبناها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأطلقها عبر المجلس الاقتصادي الأعلى، ومن خلال ''منظومة'' متكاملة من الأدوات والقنوات الاقتصادية لعل من أهمها الهيئة العامة للاستثمار التي شجعت أنظمتها ولوائحها المستثمرين العرب والأجانب على التقدم إلى استثمار أموالهم في مشاريع مختلفة على أرض المملكة، حيث وجدوا عديدا من الحوافز والامتيازات التي وفرتها لهم الأنظمة والقوانين واللوائح والتشريعات الخاصة بالاستثمار الأجنبي، وهي في مجملها أنظمة وقوانين ولوائح وتشريعات جاذبة، الأمر الذي تعكسه أرقام وإحصائيات الهيئة العامة للاستثمار فيما يتعلق بالشركات الأجنبية والعربية الجديدة والأموال المقبلة عبر هذه القناة، والتي تضاعفت أعدادها في الفترة الأخيرة.
يقودنا إقبال الشركات الأجنبية والعربية على الاستثمار في المملكة إلى طرح قضية أرى أنها بالغة الأهمية، وتتعلق بطبيعة الدور الاجتماعي الذي تؤديه هذه الشركات، سواء في مركزها الرئيس أو في المملكة. فمن المعروف أن الكثير من الشركات العالمية المستثمرة في المملكة، تقوم بدور كبير في الالتزام بمسؤوليتها الاجتماعية في بلدها ''الأم''، ومن المعروف أيضا أن القوانين المحلية في الكثير من الدول ''الأم'' تفرض على هذه الشركات القيام بهذا الدور ''الاجتماعي''، وتفرض عليها من خلال أعراف وتقاليد استقر الجميع عليها ما يمكن أن نسميه ''مسؤولية المال''، لكن المؤسف أن المستثمر الأجنبي في المملكة ـ إلا ما ندر ـ يجعل نصب عينيه المردود المالي فقط، ويسعى لتحقيق هذا الهدف بشتى الوسائل الشرعية، غافلا أو متغافلا في معظم الأحيان عن دوره الاجتماعي في البلد الذي يكسب على أرضه، والذي يتيح له أن يحقق هذه الثروات والأرباح المشروعة. هنا في رأيي يأتي دور المؤسسات والهيئات الحكومية والمدنية في تحفيز وحث المستثمر الأجنبي على نقل وتطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية من خلال نشاطه في المملكة. ويكون ذلك عبر عدة أوجه تختلف باختلاف الجهة المحفزة. فعلى سبيل المثال ـ لا على سبيل الحصر ـ تستطيع الهيئة العامة للاستثمار أن تدرس أسلوبا أو آلية أو اتفاقا مع المستثمر، يجعل من مبدأ المسؤولية الاجتماعية جزءا رئيسا من نشاط شركته، وتقوم بوضع آلية لقياس وتقييم ذلك النشاط.
كذلك تستطيع المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية مثل الوزارات و''أرامكو'' و''سابك'' وشركة الكهرباء السعودية والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، أن تقدم حافزا أو امتيازا للشركات الأجنبية والعربية التي تهتم بدورها الاجتماعي في المملكة، فتعطيها ''أفضلية'' في جميع التعاملات، ومنها: المناقصات والمشتريات. ويبقى الدور الأهم على عاتق المستهلك نفسه، وذلك بدعم جهود هذه الشركات من خلال قيامه باستخدام خدماتها ومنتجاتها والتعاون معها بشتى السبل. ففي استفتاء لقراء مجلة ''أرابيان نيوز'' ـ في عددها الصادر في السابع من آذار (مارس) الماضي ـ أعرب 61 في المائة من المشاركين في الاستفتاء عن تأييدهم لزيادة عدد الشركات التي تستثمر في المسؤولية الاجتماعية في منطقة الخليج، بينما توزعت النسب الباقية بين من يعتقد أن الشركات وجدت لتحقيق أرباح فقط، ومن لم يسمع بمصطلح المسؤولية الاجتماعية.من هنا تتجلى لنا أهمية تثقيف المجتمع المحلي وتعريفه بمفهوم المسؤولية الاجتماعية ودورها في نمو القطاع الاقتصادي، والأهم من ذلك، ضرورة تنمية العنصر البشري في مجتمعنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي