حصاد الهشيم في ذكرى النكبة
تحل ذكرى النكبة في 15 أيار (مايو) من كل عام، وهو اليوم الذي صدر فيه إعلان قيام إسرائيل عام 1948. هذا اليوم يتذكره العرب والإسرائيليون لكي يقدم حسابا عن الكسب والخسارة كل في معسكره، فالعرب قد بدأوا مرحلة جديدة تتسم بوجود إسرائيل التي تلتهم جسد فلسطين كل يوم، وتلقي بظلال قاتمة من التحدي على العالم العربي، بحيث ظل العرب في دوامة منذ ذلك التاريخ، فلا هم قادرون على إيقاف التمدد السرطاني، ولا هم قادرون على هضم هذه الحقائق المؤلمة الجديدة. ويجب أن تظل الذكرى وما يرتبط بها حية في ذاكرة الأمة، لأن الصراع بين هذا السرطان وجسد الأمة سيمضي لفترة قد تطول، ولكن الأمل في النجاة لا بد أن يرافق إحياء هذه الذكرى. على الجانب العربي، تراجع الدعم العربي الشامل والاحتضان الكامل للطرف الفلسطيني لأسباب كثيرة لكن أخطرها هو دخول إسرائيل لشق الصف العربي والفلسطيني، ثم بين الفلسطينيين أنفسهم. ولذلك لابد من إعادة ترتيب الأولويات بحيث تتصدر قضية الوفاق الفلسطيني على قواسم مشتركة استراتيجية وأن يرفع الحصار عن غزة وأن يقف الجميع صفاً واحداً لإنقاذ ما تبقى، ثم يأتي الإطار العربي داعماً للإطار الفلسطيني الذي كان خط الدفاع الأخير، في مواجهة تحدى التصفية الذي تمارسه إسرائيل منذ قيامها. فليس جديداً أن نقول أن إسرائيل رفضت منذ البداية أن تجمع فلسطين بينها وبين الفلسطينيين فإما هي وإما هم، ولذلك لا تبدو مسألة الحل على أساس الدولتين ممكنة، بسبب عزم إسرائيل علي الانفراد دون أصحابها بكل فلسطين رغم قبول العرب بها بل والمطالبة بتنفيذها، ورغم قبول إسرائيل لها، لكنها تعمل على إفراغها من مضمونها وذلك بقضم الأرض وطرد السكان أو إبادتهم. ويبدو أن إسرائيل أسرفت في تحقيق أملها وأغرتها كل أوراق القوة التي تؤمِّن لها ما تريد، ولكن العقل يقضى بأن محو الفلسطينيين والعيش بهذه الروح في منطقة عربية إسلامية متواصلة جغرافياً وحضارياً وثقافياً تعنى فرض جسم غريب معاد لجسد الأمة، ولذلك فإن سلوك إسرائيل هو العنصر الحاسم في تقرير مصير وجودها في هذه المنطقة، وذلك بحكم التاريخ والجغرافيا وحقائق علم الاجتماع. في هذه الذكرى نجدد التذكير بهذه الحقائق، وخاصة أن شعوب المنطقة قد فاض بها الكيل واستعدت إسرائيل الجميع عليها. في هذه الذكرى اقتربت إسرائيل من مرحلة الدولة اليهودية الكاملة، ولعلها تتصور أن يتم ذلك عام 2020 إذا سارت الأمور بهذه السرعة المنتظمة. نحن نراهن على وعى الأمة وذاكرة أجيالها وحقائق التاريخ التي لا تستقيم مع منطق الغضب والاجتثاث لشعب من أرض، وعضو في أسرتيه العربية والإسلامية. وللقوة حدود وللمبالغة في الآمال غير المشروعة مخاطر. لا يضيرنا أن تأتى الذكرى والعرب عاجزون ويلتمسون السلام بكل طريق، ولكن يضيرنا أن تغر أعداءنا الأماني، فنحن هنا وهم العابرون. سيظل 15 من أيار (مايو) هو يوم نكبة الأمة كلها، كما سيظل أملنا في أن تقرأ الأجيال المقبلة، هذه الذكرى في نطاق المحن التي تعرضت لها الأمة في تاريخها الطويل، فالأيام دول، من سره زمن ساءته أزمان. سيظل السلام الحقيقي بعيداً ما دامت إسرائيل تتصرف بمنطق العصابات الغازية.