الاختيار بين بدائل الطاقة المتجددة
جاء تفاعل الزملاء كتاب الرأي في صحيفة الاقتصادية، مع الإعلان عن إنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة النووية والمتجددة، متتابعا ومتنوعا وجميلا، حيث تناول كل زميل الموضوع من جانب معين. فقد تناوله الدكتور أمين ساعاتي من ناحية تطورات القرار داخل الأروقة الحكومية موضحا بعض حيثياته. وكتب الدكتور عوض الأسمرى فدعا جامعاتنا وخصوصاً الناشئة منها إلى الإسراع في فتح أقسام ومراكز أبحاث تعنى بالطاقة النووية السلمية والطاقة المتجددة كي تكون عاملاً مساعدا في الإسهام بأفكار بحثية جديدة تسهم مدينة الملك عبد الله للطاقة في نجاحها وتقدمها. ثم استعرض أنواع الطاقة المتجددة، مبينا الاستخدامات السلمية للطاقة النووية في الصناعة والزراعة والطب.
كما كتب الدكتور عدنان الشيحة مقالا ركز فيه على الجانب الإداري، مؤكدا بحق على أهمية جودة وكفاءة التنظيم الإداري في نجاح أية منظمة، فكم تبددت أحلام وتاهت جهود وضاعت أهداف بسبب سوء التنظيم وضعف الرقابة. وكتب الدكتور عبد الله الفائز مقالا بين فيه الأهمية البالغة لاختيار الموقع وخاصة في مثل هذه المشاريع، لكنه ذكرنا أيضا بفكرة أعم وأهم، كان قد سبق أن دعا إليها، وهي أن تكون لنا رؤية استراتيجية حول الطاقة تجعل من بلادنا مملكة متخصصة ومهتمة بشؤون ودراسات الطاقة بمفهومها الواسع، وإنها لعمري فكرة رائدة تستحق إمعان النظر.
وشاركت بدوري في الموضوع موضحا سبب إنشاء هذه المدينة العلمية، شارحا الجانب الاقتصادي من الموضوع. وبينت أن مقدار النمو العالي في الطلب على الطاقة الكهربائية والنفطية في بلادنا يفرض علينا ضرورة استغلال مواردنا المالية الحالية لإيجاد بدائل لمصادر الطاقة النافذة. ثم أكدت أن قيام هذه المدينة العلمية التي ستعنى بدراسات وأبحاث الطاقة النووية والمتجددة سيفتح المجال واسعا أمامنا لتطوير قدراتنا وخبراتنا سواء في مجال الطاقة النووية كإحدى بدائل الطاقة غير المتجددة، أو في مجال تطبيقاتها العلمية الواسعة في المجالات الزراعية والصناعية والطبية.
وجاءت تعليقات بعض القراء مهمة ولافتة، كتعليق محمد العمر الذي طالب بالتأني في دراسة البدائل، مفضلا تقنية الطاقة الشمسية التي حققت تطورات ملموسة، حيث مكنت من تقليص الفاقد لأقل من 50 في المائة، وجعلت التقنية أرخص وأكثر جودة، وما زال في الطريق تطورات متلاحقة في المستقبل القريب. وذكر أن أوروبا تتجه للتخلص من المفاعلات النووية لخطورتها بالتقادم وخطر مخلفاتها التي تمثل عبئا اقتصاديا وسياسيا. وهو يخشى أن تقوم هذه الدول بتشجيع الدول النامية على إقامة هذه المفاعلات في الوقت الذي لا يتوافر لها الحد الأدنى من الخبرة والقدرة على حماية البيئة، يدفعها نحو ذلك رغبتها في كسب المليارات من خلال مشاريع الإنشاء والصيانة. وحذر من انتهازيي المشاريع الكبرى الذين لا ينظرون لها من ناحية دورها الوطني، بل يقيمونها وفق استفادتهم الشخصية على حساب الوطن! وهذا يؤكد أهمية ما ذهب إليه الدكتور عدنان الشيحة من أن كفاءة التنظيم الإداري هي عنصر أساسي لنجاح فكرته.
من ناحية أخرى، حذر بعض القراء من قرب نضوب اليورانيوم في العالم، بيد أن أحدث الدراسات التي راجعتها تقدر عمر الاحتياطي منه بـ 100 عام. وتحفظ بعضهم على القول إننا مسرفين في استخدام الطاقة ومقارنتنا بنيجيريا وثلاث دول خليجية، وتساءل عن سلامة هذه المقارنة من الناحية العلمية، مع أني اعتقد بصحتها من حيث المبدأ. وشكك بعضهم في إمكانية استمرار نمو الطلب بمعدل 8 في المائة، قائلا: قد تكون المشكلة بسبب قصورنا السابق في إيصال الطاقة لكل المدن والقرى والمحتاجين، فإذا اكتمل النصاب ستعود نسبة نمو الطلب إلى مستواها الطبيعي لاحقا. لكني أعتقد أن الأرقام لا تكذب، والعالمين ببواطن الأمور من داخل شركة الكهرباء يؤكدون صحة نمو الطلب بمعدلات كبيرة، وقد أقر مجلس الوزراء الأسبوع الماضي تقديم 15 مليار ريال كقرض حسن لشركة الكهرباء لمساعدتها على إكمال مشاريع التوسعة. وطالب آخرون بالنظر في بدائل الطاقة الأخرى كطاقة الحرارة الأرضية قبل التورط في النووية لأننا نملك أكبر مخزون في العالم من طاقة الحرارة الأرضية وهي أنظف وأرخص وأيسر.
كما شارك عثمان الخويطر فكتب مقالا مهما أيد فيه المعارضين للطاقة النووية، محذرا من خطورة تبني فكرة المفاعلات النووية كمصدر للطاقة نظرا لتكاليفها الباهظة جدا، وتواضع خبرتنا، ومخاطر تسرب إشعاعات نووية ضارة على الصحة كما حدث في مفاعل تشيرنوبل بروسيا عام 1986م. وشدد المهندس الخويطر على أهمية التأني في مسألة استخدام الطاقة النووية قبل التورط فيها، مفضلا اعتماد الطاقة الشمسية كبديل أفضل وأنسب لنا لسد حاجاتنا من النقص الذي تواجهه بلادنا في الطاقة.
والواقع أن الجدل حول بدائل الطاقة ما زال كبيرا وواسعا، فلكل بديل مزايا وعيوب. غير أنه، للأمانة، إن كان هناك تحفظ على استخدام المفاعلات النووية كمصدر للطاقة، فلا ينبغي إغفال الفوائد الكثيرة للتطبيقات السلمية للطاقة الذرية في الزراعة والصناعة والطب، فنضيع على بلدنا فرصة علمية وحضارية ثمينة. وأنا على يقين من أن رئيس المدينة ونائبيه هم على قدر من التخصص والكفاءة، ما يجعلهم قادرين على اختيار البدائل الأنسب لنا، في ظل امتلاك بلادنا وحدها أكثر من 25 في المائة من الاحتياطي العالمي من النفط. والله من وراء القصد.