الوحدات السكنية المفروشة تجربة لم تكتمل
فيما مضى كان سكان المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وبالذات المجاورين منهم للحرمين الشريفين، هم الوحيدين الذين يؤجرون مساكنهم أو جزءاً منها مفروشة أو غير مفروشة لحجاج بيت الله الحرام والزائرين لمسجد رسوله - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وظهرت بعد ذلك - ولأول مرة - الفنادق في مكة والمدينة إضافة إلى جدة - بوابة الوصول - لتوفير سكن مؤقت لحجاج بيت الله الحرام، ثم تتابع ظهور الفنادق في بقية مدن المملكة. ولكن الانتشار الواسع والكبير أصبح من نصيب الشقق المفروشة، فاليوم لا تكاد تخلو مدينة أو بلدة أو قرية من مباني الشقق السكنية المفروشة، بل لا يكاد يخلو شارع عرضه ثلاثون متراً أو أكثر في المدن الرئيسية من مباني الوحدات السكنية المفروشة.
إن انتشار الوحدات السكنية المفروشة ظاهرة جيدة تسهل على المسافرين الحصول على مكان مؤقت للإقامة، وبأسعار مناسبة في أغلب الأحيان، خصوصاً عند مقارنة تكلفتها بتكلفة الفنادق بالنسبة للأسر الكبيرة نسبياً. كما أن انتشارها يشجع على تنشيط السياحة الداخلية ودعمها - وإجازة نصف الفصل الدراسي في الأسبوع الماضي خير دليل على ذلك -، بل إن كثيراً من الناس أصبح يلجأ للإقامة في الشقق المفروشة والسكن فيها لفترات طويلة تمتد إلى عدة أشهر، وهو ما يجعلها مساكن موسمية، خصوصاً في فصل الصيف في المناطق السياحية ذات المناخ المعتدل، أو في شهر رمضان وموسم الحج في مكة والمدينة، حتى إن بعض الشقق المفروشة في مكة تؤجر طوال العام وتستعاد من المستأجرين الدائمين خلال موسم الحج وشهر رمضان المبارك. وأصبحت بعض الشقق السكنية أيضاً مأوى ملائماً للعزاب من الطلاب والموظفين البعيدين عن أُسرهم.
وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في أعداد الوحدات السكنية المفروشة، وانتشارها على كامل الرقعة الجغرافية للمملكة؛ إلا أن كثيراً منها لم يصل إلى مستوى مميز من الجودة ليكون بديلاً للفنادق. إن غالبية مباني الوحدات السكنية المفروشة منفذة بأسلوب تنفيذ المساكن الخاصة، وبمواد بناء ومكونات معمارية (مثل: الأبواب، والنوافذ، والقطع الصحية للحمامات، وقطع تأثيث المطابخ، وغيرها) ذات جودة لا تناسب الاستخدام المكثف والعام للوحدات المفروشة، وهو ما يعمل على سرعة تدهورها وعطبها. وكما هو معروف فإن هناك مواصفات خاصة ببناء الفنادق وما شابهها من المباني تتطلب استخدام نوعية مرتفعة الجودة من مواد البناء ومن المكونات المعمارية عالية التحمل لتنفيذها. كما أن كثيراً من مباني الوحدات السكنية المفروشة تفتقر للهوية المعبرة عن وظيفتها من الناحية التصميمية، وهو ما يدفع بمُشغليها إلى تغطيتها بخطوط إضاءة النيون ذات الألوان الصارخة بُغية لفت انتباه الزبائن الباحثين عن مكان للإقامة، إضافة إلى سوء اختيار الأثاث المستخدم، فنسبة كبيرة منها لم تؤثث بالأثاث المخصص للفنادق أو الوحدات المفروشة، بل مؤثثة بأنواع من الأثاث الرخيص ذي الجودة الرديئة والذي لا يقاوم الاستخدام الدائم، وهو ما يجعل بعض هذه الوحدات ذات رائحة كريهة ناتجة عن البكتيريا والفطريات المستوطنة في أثاثها. أما الطامة الكبرى فتظهر في تزاحم السيارات أمام مباني الأجنحة والشقق المفروشة والمباني المجاورة لها وحولها، علماً بأن الاشتراطات البلدية المطلوبة لترخيص بناء وتشغيل مباني الوحدات السكنية المفروشة تنص على توفير مواقف كافية بمعدل لا يقل عن موقف لكل وحدة سكنية مع رصفها وإنارتها وتشجيرها. إن عدم العناية بإزالة مثل هذه السلبيات سيحد من استفادة المواطنين من مشاريع الوحدات السكنية المفروشة، والله من وراء القصد.