استبدال الشيك بالسحب الفوري
لفت انتباهي ما تحدثت عنه وسائل الإعلام في صحافة يوم الثلاثاء 16 ربيع الأول 1431هـ, ذلك القرار بالتشهير وربما السجن لمرتكبي الشيك ''المُرْتـَجَع'' دون رصيد، لكن هذا الأسلوب التأديبي ولو أنه من متطلبات حفظ الأمن في الممتلكات والواجب التعامل معه بحزم وشدة ودون هوادة إلا أنه يبدو صعباً في صيغته النظامية من حيث إنه مباشر التنفيذ في شخص مرتكب جريمة الشيك ''دون رصيد'' ونحن طلبة الاقتصاد عادة ما نميل إلى الصيغة التشريعية للنظام المصرفي، أي أن يكون الأسلوب ربما أطول من إجراءاته لكنه الأقوى فاعلية, مثلاً في هذه الحالة إلغاء الشيكات المصرفية, وعلى افتراض وهو واقع الحال أن كل شخص مواطن أو مقيم طبيعياً أو معنوياً لا بد أن يكون له حساب خاص به في واحد أو أكثر من البنوك القائمة في المملكة, وعلى خلفية أن بعض فئات ممن يقيمون على هذه الأرض من مواطنين ومقيمين هم على اختلافهم فئة غير ملتزمة في جوانب كثيرة من سلوكياتهم في حياتهم، الأمر الذي من شأنه أن يدعو إلى التفكير بإمعان في إمكانية إيجاد بديل يحد من تلك التصرفات اللاأخلاقية قي التعاملات المالية ''البنكية''.
وليس من الضرورة في شيء أن نكون مثل الآخرين أولئك وهؤلاء فنحن في الشرق بلا أدنى شك نختلف, وبالذات في المملكة نختلف في أكثر من جهة ونراعي ما تمليه العقيدة الإسلامية .. وليكن ذلك اقتصادياً واجتماعياًَ وفي هذا أرى التقصي في دوافع هذا الأمر المشين في حق الإساءة إلى الثقة باقتصاد هذا البلد المعطاء خاصة مجال الاستثمار، فالأمر لا يحتمل الإصلاح بقدر ما تجب القطيعة بالوسيلة ''أي الشيكات'' نهائياً مع إيجاد البديل، إذ إن النية في هذه الحالة مبيتة بالتحايل فساحب الشيك يكتب شيكاً وهو يعلم بعدم الوفاء بالمبلغ مضمون الشيك وأحياناً يكتب الشيك بقيمة تكون أكثر مما هو متوافر في رصيده و أحياناً أخرى تراه يكتب الشيك وتنقصه عنوة بعض المعلومات مثل التاريخ أو اسم المدينة أو تعديل بسيط في التوقيع أو اختلاف بسيط جداً في اسم المستفيد ومن ثم تأتي عبارة البنك الخالدة ''راجع السّــــاحب'' .. ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد من المماطلة بين الســّـــاحب للشيك والمستفيد.
الدوافع لمثل هذه السلوكيات مرجعها زيادة الدخول الحقيقية والنمو السريع وغير المتوازن في الاقتصاد. فالتحايل والغش والتدليس والتطاول على الملكية العامة وربما تفشي التعديات على الممتلكات الخاصة .. هذا الغثيان في جسم الاقتصاد أساسه المسافة الواسعة والفارغة من الضوابط الإدارية لمواكبة معدل سرعة النمو الاقتصادي والشيكات بلا رصيد فكانت واحدة من مكونات هذه المخلّفات من إرهاصات التغير المستمر في التنمية الاقتصادية.
ولأننا بصدد إيجاد بديل لحل هذه المشكلات ''الشيكات بلا رصيد'' علينا أن نتوخى السهولة في الإجراء والضمان بالوفاء والمحافظة على مسيرة التعامل المالي لتحقيق أهداف التنمية، فهكذا على ساحب الشيك ''سابقاً'' أن يذهب بدلاً من ذلك إلى البنك هو نفسه ومعه إذا لزم صورة من بطاقة أحوال المستفيد أو الإقامة ورقم حسابه ويطلب من الموظف المختص في البنك إجراء التنفيذ الفوري بنقل المطلوب الإيفاء به من حسابه إلى حساب المستفيد ولكل من السّــاحب و المستفيد حق الحصول على صورة من المستند الذي بموجبه تمت تصفية الحساب بين الطرفين حتى يتمكن كل منهما من إكمال بقية الإجراءات كما هي الحال في توثيق بيع و شراء العقار مثلاً.
إن المأخذ الوحيد على هذه العملية من جانب السـّــاحب أو المستفيد هو الإحساس ''وهما'' بالتعالي بمكانة اجتماعية أو مركز وظيفي بعذر عدم الحضور إلى البنك وليكن ... لكن التفويض جائز في الحالتين ولا ننسى أن المال عديل الروح، فالسّــاحب والمستفيد يسعيان إليه في أضيق الحدود ولو دخلا سَـــــــمّ الخياط!؟
إن من دعائم بناء الثقة بالاقتصاد ومن ثم نهضة الأمة وتقدمها يكمن في السباق الحثيث بين سرعة معدل النمو الاقتصادي وحجم الضوابط الإدارية في تزامن محكم التــّماس ومراجعتها بين الحين والآخر وجعلها في مقدمة أولويات سياسة الحكومة. فهكذا تواصل الدول تقدمها وتحكم رقابتها على أساسيات أمورها المالية، والشــــــيــــــك أصبح إساءة بإساءة استخدامه وعلينا مراجعة عدم استخدامه بعد اليوم واستبداله بالســّـــحب الفوري حفاظا على متانة اقتصادنا وسمعته ومكتســـباتنا الوطنية في التنمية.