تعرفة الماء .. ملف شائك
قبل نحو أسبوع نشرت جريدة «الاقتصادية» إعلانا على صفحة كاملة لصالح وزارة المياه والكهرباء تحت عنوان «هل تعلم ؟» جاء فيه أن قيمة ما يدفعه المستهلك في المملكة مقابل خدمة المياه أقل بكثير مما يدفعه مقابل الخدمات الأخرى. كما تضمن الإعلان شكلا بيانيا يقارن متوسط إنفاق الفرد شهريا على الماء، الكهرباء، الهاتف المحمول، والهاتف الثابت. وعلى الرغم من عدم الإفصاح عن الهدف من تلك الرسالة الإعلامية، إلا أنها تبدو تمهيدا لتعديل تعرفة الماء المطبقة حاليا وهو طرح ليس بجديد بل يجري تداوله منذ عدة سنوات من قبل كبار مسؤولي الوزارة تارة تلميحا وأخرى تصريحا.
ففي حديث سابق لنائب وزير المياه والكهرباء يومئذ (الوزير الحالي) لوسائل الإعلام بتاريخ 7/3/2004 بمناسبة انعقاد المنتدى السعودي ـ الفرنسي عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجالي المياه والكهرباء، تم التركيز على النقاط التالية:
* التعرفة الحالية للماء تبلغ 5 في المائة فقط من التكلفة الحقيقية.
* انخفاض تعرفة الماء أفقد القطاع تدفق الاستثمارات المطلوبة.
* هناك هيئة استشارية تدرس منذ ثمانية أشهر موضوع تعديل تعرفة المياه.
و من ثم يمكن فهم مرمى الإعلان المشار إليه في سياق تلك المحاور التي عرضت في ذلك المنتدى قبل ستة أعوام.
إن ملف الماء بطبيعته شائك ومُعقـّد، كما أنه يحمل في طياته حساسيات تفضي عادة، عند طرحه للبحث، إلى تداخل بين ما هو عقلاني وبين ما هو عاطفي، إذ إن مرتكزات الموضوع متعددة منها اجتماعية، اقتصادية، استراتيجية وغيرها. ومن ثم لا بد من أخذ جانب الحذر عند التعامل مع ذلك الملف، ولا سيما في الوقت الراهن الذي تتمتع فيه المملكة بموارد مالية جيدة. وما يدعو إلى توخي الحذر أيضا ما يواجهه اليوم بعض المستهلكين في عدد من مناطق المملكة من عناء ومشقة في سبيل الحصول على الماء نتيجة عجز في الخدمة في تلك المناطق. وهو أمر سيتفاقم حتما مع الزيادة في عدد السكان، ارتفاع مستوى المعيشة، نشوء حواضر جديدة، تقادم محطات التحلية القائمة حاليا، وتآكل شبكات التوزيع. ولو أمعن المرء النظر جيدا في المبالغ الحقيقية التي يدفعها المستهلك من أجل الحصول على الماء في ظل تلك الظروف لوجد أنها تفوق ما يذكر من أرقام هنا وهناك.
لقد أصبحت المملكة تعتمد بشكل أساس على محطات التحلية كمصدر لمياه الشرب, ما يعني ضرورة توفير أموال طائلة لبناء طاقات جديدة واستبدال تلك القائمة التي انتهى عمرها الافتراضي وهي تشكل نسبة تزيد على 50 في المائة وفقا لما صرح به أحد المسؤولين قبل عدة أسابيع. أما شبكات التوزيع فكثير من أجزائها بات مهترئا، وهناك من يقول إن الفاقد من خلالها يصل في بعض المدن الكبرى كجدة مثلا إلى نسبة 40 في المائة، وهي مزاعم إن صدقت تصبح قضية الهدر في التوزيع قضية مقلقة ومكلفة. لذا ربما يكون من الحكمة قبل طرح موضوع تعديل التعرفة أن تباشر الوزارة في إصلاح مصادر الخلل تلك بينما هناك قدرة مالية لدى الحكومة على الإنفاق على تلك الأعمال.
لا شك أن من الصعب تخيل نمو مستقر لقطاع المياه على المدى الطويل في ظل الفجوة الشاسعة بين التكلفة التي تقدر بنحو أربعة ريالات للمتر المكعب وبين متوسط شرائح التعريفة. وكنت قد أشرت في مقال سابق نشرته «الاقتصادية» في مطلع عام 2004 إلى أن دولة كفرنسا، التي شاركت في ذلك المنتدى، غنية بمصادر طبيعية ضخمة للمياه من أنهار وبحيرات وأمطار تتقاضى مبلغاً يزيد على ثمانية ريالات للمتر المكعب من مياه الشرب مقارنة بمبلغ عشر هللات فقط يدفعه صغار المستهلكين في المملكة عن الشريحة نفسها.
لكن لو نظرنا إلى ما يجري على أرض الواقع نجد أن شريحة كبيرة من المواطنين العاديين تنفق أضعاف المبلغ الذي قدرته الوزارة في إعلانها بريال واحد شهريا لتأمين احتياجاتها من الماء. إذ لا بد من الأخذ في الحسبان الأجرة التي تدفع للوايتات (صهاريج نقل المياه)، الفاقد من حمولة تلك الوايتات، الشوائب والملوثات الأخرى وما يترتب عليها من تكاليف تنظيف وتعقيم للخزانات الأرضية، قيمة المياه المعبأة للاستخدام في الشرب والطبخ وما شابه، صيانة «الفلاتر» عند مداخل المياه إلى المنازل، وقبل ذلك الجهد المبذول والساعات المهدرة في الحصول على تلك الوايتات, ولا سيما في أوقات الأزمات. ولو جمعت قيمة كل تلك العناصر لبدت الفجوة الحقيقية بين ما يتكبده المواطن من مبالغ للحصول على الماء وبين تكلفة إنتاجه أقل بكثير مما لو عقدت المقارنة بين التكلفة والتعرفة فحسب.
أي أن آلية معالجة الفجوة بين تكلفة إنتاج الماء وبين ما يدفعه المستهلك تعتمد إلى حد بعيد على أسلوب الحساب المستخدم.