الرهن العقاري.. حتى لا يتكرر الخطأ

لا يخلو مجلس من مجالسنا من حديث عن الرهن العقاري، وزيادة مبلغ قرض صندوق التنمية العقاري، حيث كثر التحليل والتنظير في هذا الموضوع الذي يمس شريحة كبرى من مواطني المملكة، ومع غياب المعلومة النهائية ومن مصدرها الحقيقي من الطبيعي أن تكثر التكهنات والتخمينات.
ولا يخفى أن الجميع بمختلف شرائحهم يترقبون صدور قرار الرهن العقاري، فالمواطن ينتظره على أمل أن يكون هذا القرار هو الطوق الذي يتشبث به لتحقيق حلمه في امتلاك منزل العمر، بينما تاجر العقار ينتظره لتحريك ركود سوق العقار.
وأنا أتابع هذا الاهتمام تعود بي الذاكرة لأكثر من 35 عاما عندما صدر قرار بإنشاء صندوق التنمية العقاري، وكان أول رئيس له عبد الله البليهد، رحمه الله، وكان صديقا وزميل دراسة، وفي ذلك الحين كنت من المقاولين النشطين، وأتذكر أنه طلب مقابلتي وعندما حضرت لمكتبه، رحمه الله، دار حديث حول القروض وسألني عن وجهة نظري، وأجبته بأن المواطن لن يستفيد من القرض، وأبلغته بأن سعر المتر قبل الإقراض لم يتجاوز 400 ريال، وإنني أتوقع أن يقفز إلى الضعف.. ولم تمر سنة واحدة على ذلك اللقاء حتى وصل سعر المتر إلى أكثر من 1500 ريال. بل واشتعلت أسعار مواد البناء. قلت له، رحمه الله: يجب أن توجد من خلال الصندوق مدن بنماذج وألوان مدروسة بدلا من زج المواطن مع مقاول متواضع الإمكانات والخبرة، مما يجعل نماذج الفلل سيئة جدا، وهذا ما حصل.. لكنه، رحمه الله، رد علي قائلا: إنه مع الأسف لا يمكن التراجع عن القرار، حيث إنه تم الإعلان للمواطنين وهم في انتظار القروض.
لذلك أرجو الآن ألا نكرر ما حدث قبل أكثر من 35 عاما نفسه، لا بد أن يتم إنشاء أرضية تحمي المواطن من مثل هذه القفزات الجنونية في الأسعار، ولا بد أن توضع ضوابط كثيرة ودقيقة، لعل منها أن تقوم الدولة بالتأكد والاطمئنان على توفير كافة مواد البناء، وأن يكون الصندوق على ثلاثة مسارات، المسار الأول أن يقرض صاحب الأرض، والمسار الثاني أن يفتح مجال بناء الفلل وتسليمها كقرض للمواطن بدل القرض النقدي، والثالث فتح مسار الشقق، وأيضا تسلم للمواطن كقرض، وأن يترك الاختيار لكل الفئات. على أن يتولى الصندوق تدبير كافة مواد البناء عند إنشاء مشاريع الفلل والشقق بنفسه سواء بالاستيراد من المصانع نفسها دون المساس بالمواد الموجودة في السوق، ومستعد لتقديم صيغة هذا المقترح لمن يهمه الأمر.
في ظني أن حتى المقترض من البنوك عند وجود الرهن العقاري سيكون مصيره مثل المواطن الذي اقترض من الصندوق حتى ولو بعمولة منخفضة لأنه سيعاني غلاء مواد البناء. بمعنى لو اقترض بنسبة 5 في المائة وارتفعت المواد إلى 30 في المائة ( إذا لم ترتفع إلى 100في المائة) فكأنما عمولته 35 في المائة .
ولا أريد من خلال سطوري في هذا السياق أن أكتب ما قد يكون مخيبا لآمال المواطنين في أن الرهن العقاري أو حتى زيادة مبلغ قرض صندوق العقاري لن يكون مجديا له، لأنها حلول ستكون بمعزل عن حمايته من تقلبات الأسعار وارتفاعها، والتي ستستقطع ما قد يحصل عليه من قروض أو تسهيلات، لكنها دعوة للاستفادة من دروس الماضي القريب وعدم تكرار أخطاء كان يمكن تلافيها.
وكلي ثقة برجالات صندوق التنمية العقاري المشهود لهم بالنزاهة والإخلاص، فمنذ إنشاء هذا الصندوق كان معظم المهندسين والموظفين من الشباب السعودي ومن ضمنهم مدير الصندوق الحالي محمد الحربي، وقد نجح الصندوق طوال فترة تاريخه في وضع آلية جديرة بالاهتمام منعت أي تجاوزات أو تدخلات، فحصل كل مواطن على قرضه حسب الرقم الذي أعطي له، ولم نسمع في أي يوم من الأيام أن الصندوق قد أعطى القرض لمواطن لم يصل الإقراض لرقمه، لذا أعول على هذا الصندوق القيام بدور أكبر وأهم خلال الفترة المقبلة، بإذن لله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي