العرب ولغز العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية
من المهم للعرب أن يعرفوا لغز العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة إذا قرروا أن يديروا الصراع مع إسرائيل إدارة صحيحة، فقد صارت إسرائيل قدراً لا راد له ولا بد من العثور على صيغة للتعامل معه. في هذه النقطة، كان العرب قبل 1967 يرون إسرائيل مقدمة لمشروع صهيوني يستهدف الوجود العربي بدءاً بفلسطين، ثم صار العرب يرون إسرائيل دولة عادية والمطلوب وضع قواعد العلاقة معها، وهذا هو جذر فكرة عملية السلام التي استمرت حتى الآن 43 عاماً كاملاً منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 242. ولكن حكومة نتنياهو صدمت العرب حين أعلنت أن إسرائيل ليست دولة عادية ولا تريد أحداً معها في فلسطين وأنها تسترد إرث الأجداد، وقد قالتها إسرائيل عن القدس وبقية الأراضي الفلسطينية ولكن هذه الحكومة لم تفصح عن مرحلة ما بعد فلسطين. معنى ذلك أن إسرائيل تتوسع وفق برنامج، وتعربد وفق خطة، وتعتمد الإبادة والإرهاب العسكري والإجرامي والسياسي والنفسي حتى يظن المراقب أنها تريد أن يرحل العرب عن منطقتهم، من فرط مشاركات إسرائيل في برامج مناهضة لكل الدول العربية، حتى عادت القناعة العربية بأشد مما كان بأن إسرائيل رأس المشروع السرطاني، وأنه إذا كان عنوانه فلسطين، فإن أطماعه لا تقف عند حد، ومن ثم فالصراع معها هو صراع وجود وليس صراع حدود. عند هذه النقطة يتعين بحث لغز علاقة إسرائيل بواشنطن وحقيقة ما نقرأ حول أزمة في هذه العلاقة. أهمية هذه النقطة هي أنه إذا كان المشروع الصهيوني أصلاً مشروعا أمريكيا فإن لإسرائيل مصلحة أيضاً في التعاون في نشره وإخضاع المنطقة له، وأن تراجع واشنطن وقدراتها يعني بالضرورة تراجع حدة هذا المشروع مادام مركزه واشنطن. وفق هذا الافتراض يستحيل الفصل بين أمريكا وإسرائيل أو الوقيعة بينهما أو حياد أمريكا بين العرب وإسرائيل أو دفع واشنطن إلى دفع ثمن تقاربها مع إسرائيل من مصالحها مع العرب.
وفق هذا الافتراض أيضاً لا معنى للقول إن واشنطن تعلى مصلحة إسرائيل على مصالحها، أو أن إسرائيل عبء على دافع الضرائب الأمريكي، وقد يجوز القول إن أداء إسرائيل للدور المرسوم ليس على النحو الذي يريده المايسترو الأمريكي تماماً النظرية الثانية ترى واشنطن وإسرائيل كيانين منفصلين، وأن إسرائيل رأس المشروع الصهيوني الذي يحسن توظيف كل القوى الدولية منذ ظهوره. معنى ذلك أن إسرائيل هي التي توظف واشنطن لخدمة مشروعها، بمختلف أدوات التأثير ووسائله، ومن ثم يتصور دائماً وجود أزمات في العلاقات بقدر ذكاء القيادة الإسرائيلية أو غبائها وقدرتها أو عجزها عن استخدام أدوات القوة ضد سيد البيت الأبيض، كما يتصور في إطار هذه المقاربة أن تكون إسرائيل أكثر تكلفة على واشنطن مما تقدمه لواشنطن من مصالح، ويمكن أن تكون عبئاً فعلاً على صانع القرار.
فى هذا الإطار يجوز للعرب أن يحاولوا التأثير في المصالح الأمريكية وليس الإسرائيلية، لأن واشنطن هي السند الأساسي لإسرائيل.
والمطلوب الآن أن يتفق العرب على تبني إحدى النظريتين لإدارة الصراع مع إسرائيل، إذا توافرت إرادة القرار الذي يحتاج فعلاً إلى رؤية لدراستها.