جهود هيئة الاستثمار.. لمن؟
يتمتع الأستاذ عمرو الدباغ بكفاءة وتأهيل علمي ومهني واضح، كما أن روحه الشابة ودماثة أخلاقه تمنحها قدرة على الحركة في وسط بيروقراطي صعب. ونحن نتفهم أن هيئة الاستثمار لا تستطيع وحدها أن تغير واقعا معقدا بين عشية وضحاها. لكن هذا لا يمنع أن نبدي له صادقين قلقنا كمراقبين حول دور وإنجازات الهيئة العامة للاستثمار. وفي لقائي به قلت له: الذي نعرفه من النظام الأساسي للهيئة العامة للاستثمار، أنها معنية بتنمية وزيادة الاستثمار المحلي والأجنبي على حد سواء. ومن ثم فإن النظام لم يفرق بين المستثمر المحلي والأجنبي في المعاملة! إلا أن المشاهد - يا معالي الأخ - هو أنهما ليسا متساويين في المعاملة، فخدمات وتسهيلات الهيئة هي في خدمة المستثمر الأجنبي أكثر مما هي في خدمة المستثمر المحلي!
والبعض يقول ليت أن هذا التمييز اقتصر على أصحاب المشاريع العملاقة التي تقدم لاقتصادنا نقلا لتقنية مميزة، وتسهم في تنويع دخلنا الوطني، وتولد فرص عمل حقيقية لأبنائنا المؤهلين. وإنما المشاهد هو أن أصحاب مشاريع طفيلية برؤوس أموال متواضعة تمتعوا بهذه المزايا وحصلوا على تراخيص الهيئة، كتراخيص المطاعم وورش السمكرة ومعامل البلك ونحوها. وهذه وتلك - كما ترى - ليس فيها قطعا نقل لتقنية، ولا مساهمة في توليد وظائف لأبناء الوطن، هذا إن لم تزاحمهم في أرزاقهم. ولهذا فإن بعض المراقبين يخشون أن تكون جهود هيئة الاستثمار غير منسجمة مع استراتيجية الاستثمار المعلنة والمأمولة والمفيدة لاقتصادنا، خاصة فيما يتعلق بنقل التقنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وتنمية القطاعين الصناعي والزراعي. ويضيف بعضهم أيضا، أنه بينما حصل الأجانب من أصحاب هذه المشاريع البسيطة على حاجاتهم من تراخيص الاستقدام، فإن أصحاب المنشآت السعودية المماثلة لم يتمكنوا من الحصول علي حاجاتهم منها! فالمواطن يعاني الأمرين عند مراجعة مكاتب الاستقدام، وبعض الوزارات، والغرف التجارية، والجوازات، وكتابة عدل، بينما كل هذه الخدمات جمعت للأجنبي في مكان واحد. فهل بلادنا بفوائض أموالها وبمعدل البطالة المرتفع بين شبابها في حاجة لمثل هذه المشاريع؟
فقال: هذه عدة أسئلة في سؤال، لكن يمكن أن أجيب عن تساؤلاتك من ثلاث نواح:
أولا: منذ إعلان استراتيجية الهيئة في نهاية عام 2004 م، والهيئة وجميع مسؤوليها يخصصون نصف وقتهم وجهدهم لتحسين بيئة الاستثمار في المملكة بشكل عام، وثمرات هذا التحسين تطول قطعا جميع المستثمرين المحليين والأجانب. كما قمنا بإنشاء مركز التنافسية الوطني، لكي يساعد الهيئة وسواها من الأجهزة الحكومية من أجل تطوير الإجراءات ذات العلاقة بالاستثمار كتقليص الدورات المستندية والفترات الزمنية اللازمة لكل إجراء. ولهذا الغرض قمنا بتوقيع 17 اتفاقية مع الجهات الحكومية من أجل حل المعوقات التي تواجه المستثمرين السعوديين والأجانب على حد سواء. وما زالت هذه الفرق تعمل مع الوزارات المعنية من أجل تطوير هذه الإجراءات وتحسينها بشكل مستمر. وكما قلت سابقا، كان من نتيجة الإصلاحات الاقتصادية التي تمت في المملكة ، ومن ضمنها ما تم في مجال تحسين بيئة الاستثمار وأداء الأعمال، أن تحسن تصنيف المملكة في جميع التقارير الدولية ذات العلاقة بالاستثمار.
ثانيا: علينا أن نتذكر أن المستثمر الأجنبي لا يمكنه البدء بأي نشاط استثماري إلا بعد الترخيص له من الهيئة وفقا لشروط وضوابط معينة. بينما لا يحتاج المستثمر الوطني إلى الحصول على ترخيص من الهيئة قبل الحصول على السجل التجاري. علما بأن هناك نحو 45 في المائة من تراخيص الهيئة هي لمشاريع مشتركة أي يوجد فيها مستثمرون سعوديون. أما بعد مرحلة الترخيص، فإن جميع الإجراءات والأنظمة التي تطبق على المستثمر السعودي، يتم تطبيقها على المستثمر الأجنبي من قبل الجهات الحكومية المعنية، بما فيها أنظمة وزارة العمل.
قلت له: لكن المستثمر الأجنبي بعد أن يحصل على الترخيص يتمتع بخدمات مراكز الخدمة الشاملة، التي تنهي له كل إجراءاته مع الأجهزة الحكومية الأخرى، بينما السعودي يضطر لمراجعة دوائر حكومية عديدة بكل ما فيها من تعقيدات إدارية؟ وأخشى أن يدفع هذا المستثمرين السعوديين للبحث دوما عن شريك أجنبي في كل استثمار يرغبون القيام به من أجل التمتع بهذه المزايا!
فقال هذا ما كنت أنوي توضيحه في ''ثالثا''. الواقع أن الهيئة قامت بإنشاء تسعة مراكز للخدمة الشاملة في مختلف مناطق المملكة. ونحن نسعى إلى خدمة جميع المستثمرين السعوديين في مراكز الخدمة، إلا أن الطاقة الاستيعابية لهذه المراكز لا تسمح في الوقت الراهن بخدمة جميع المشاريع الاستثمارية المرخصة في المملكة. ومع ذلك، فنحن نتفاوض مع الجهات الحكومية التي يوجد لها ممثلون في مراكز الخدمة الشاملة، من أجل زيادة عدد ممثليها وتوسيع صلاحياتهم، حيث يتم تقديم المزيد من الخدمات لشرائح من المشاريع الاستثمارية الوطنية ورجال وسيدات الأعمال، إضافة إلى الشرائح التي يتم خدمتها حاليا، ومنها على سبيل المثال المشاريع السعودية الناشئة المدعومة من قبل صندوق المئوية. وما زال للحديث صلة!