التحالف الأمريكي - الياباني خلف توقعات لم تتحقق

شهد مديرو التحالف مع الولايات المتحدة خلال الأشهر الأخيرة بالذات، حالة من خيبة الأمل من الشعور الذي ساد بعد الانتخابات اليابانية الأخيرة، حيث ظهرت صورة من عدم المبالاة إزاء دعم الحرب المستمرة التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب. ويرى هؤلاء المديرون أن وزراء هاتوياما لا يمتلكون خبرات معالجة قضية قاعدة جزيرة أوكيناوا، حيث إنهم يعقدّون بذلك تحويل الصورة العسكرية الأمريكية.
ويشير تقرير أعدته مجموعة التفكير ''المكتب الوطني للأبحاث الآسيوية'' في مدينة سياتل الأمريكية بعنوان ''إدارة التوقعات غير المتحققة في التحالف الأمريكي الياباني''، شارك فيه عدد من مديري التحالف الأمريكيين من بينهم ريتشارد لولس، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية السابق للشؤون الأمنية لمنطقة آسيا والباسيفيك، وجيم توماس، وكبل وزارة الدفاع الأمريكية السابق لشؤون الخطط والموارد، إلى أن هذا التحالف يفتقر إلى التخطيط الثنائي العملي، والتدريب. ويعود ذلك في معظمه إلى عدم قدرة اليابان على ممارسة الدفاع عن ذاتها.
ويفيد هذا التقرير أن اليابان ليست على ثقة كاملة بنجاعة المظلة النووية الأمريكية، وكذلك فإنها ليست متأكدة من أن الولايات المتحدة ستتدخل في حالة حدوث أمر عسكري طارئ يخص اليابان، ولا سيما في ظل الخلافات مع جيران اليابان.
يعني ذلك أن التوقعات العسكرية عبر المحيط الهادئ لا تتحقق في الوقت الذي تتوقع فيه الولايات المتحدة أن تلعب اليابان دوراً إقليمياً، وعالمياً متزايداً، بينما تتساءل اليابان حول مدى فعالية دفاع الولايات المتحدة عنها.
ويدعو التقرير إلى تخفيض سقف التوقعات الأمريكية لكي يتم التركيز بصورة أدنى على الدفاع عن اليابان الذي يمثل نقطة مركزية في معاهدة الأمن بين الطرفين. ويقترح كاتبو التقرير إعادة النظر في أدوات التحالف بين البلدين فيما يخص القضايا المتعلقة بالأمن العالمي في المستقبل. وهو يحذر من أنه إذا لم يتم ذلك، فإن هذا التحالف سيظل بعيداً عن الفعالية في زمن السلم، وقد يتعرض للانهيار في زمن الحرب.
إن مشاعر الأمريكيين المحبطة حقيقية، على الرغم مما يبدو أنها ظاهرية، حيث ظلت التوقعات الأمريكية متذبذبة إزاء أمن اليابان خلال العقود القليلة الأخيرة. وقد طلبت الإدارة الأمريكية من اليابان خلال الحرب الباردة تسيير دوريات سفن عسكرية لحماية الممرات البحرية المحيطة باليابان، وكذلك حماية جزر الأرخبيل الياباني. وكان ذلك دوراً مكملاً وحيوياً، حيث إنه كان يشكل جانباً لا يمكن تعويضه في الاستراتيجية الأمريكية ضد الاتحاد السوفياتي.
وقد رحبت الولايات المتحدة بالدور المتزايد لليابان في تشكيل قوات السلام الدولية منذ نهاية الحرب الباردة، وكذلك بزيادة القوة البرية اليابانية في المحيط الهندي في سبيل محاربة الإرهاب، كما رحبت بالمساهمة اليابانية في إعادة إعمار العراق بعد إنهاء عهد صدام حسين. وكانت هذه المساهمة ذات أهمية تكميلية للمهمة الأمنية الأمريكية في العراق، وإن لم تشكل خدمة كبرى للاستراتيجية الأمريكية العالمية.
واحتاجت الولايات المتحدة من خلال توقعاتها الإقليمية إلى أن تتحرك اليابان وفقاً لاستراتيجية أمريكية معينة. ونظراً لعدم التفوق الأمريكي البحري في المنطقة، فقد كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى عدد من الحلفاء لكي يلعبوا أدواراً حمائية تكميلية في مواجهة الاتحاد السوفياتي. وحين أخفق هؤلاء الحلفاء في أداء تلك الأدوار، اضطرت الولايات المتحدة إلى القيام بالمهمة منفردة، وبالتالي واجهت ضغوطاً استراتيجية شديدة في تطبيقها استراتيجية الاحتواء على النطاق العالمي.
أما بعد زوال الاتحاد السوفياتي، فقد تمتعت الولايات المتحدة بموقع الدولة العظمى الوحيدة التي يمكنها أن تعمل دون حلفاء إذا تطلب الأمر ذلك. وقد شهدت تلك الفترة كذلك نمواً اقتصادياً أمريكياً، الأمر الذي عزز قوة أمريكا. وأما اليوم، فإن متاعب أمريكا في العراق وأفغانستان، وكذلك نتائج الأزمة المالية العالمية، أظهرت أن الولايات المتحدة في حالة من التراجع، وبالتالي فإنها عادت إلى مطالبة حلفائها بأداء أدوار استراتيجية مكملة.
وانطلاقاً من مواجهة هذه التحديات، فقد حددت إدارة أوباما أولوياتها بصورة واضحة في ميزانية عام 2010، وفي التقرير الدفاعي، حيث أوضحت ذلك في أهمية كسب الحرب على الإرهاب، وتطوير أسلحة مضادة لأسلحة المتمردين، وليس أسلحة معدة لحروب متقدمة. ولم يذكر ذلك التقرير الصين بصفتها تهديداًً عسكرياً رئيساً للولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك يركز ذلك التقرير على ضرورة ضمان وصول الولايات المتحدة، بصورة حرة وآمنة، إلى البحار، والفضاء الخارجي، حيث يمثل ذلك أمراً أساسياً لاستمرار الهيمنة العسكرية من جانب الولايات المتحدة. وركزت إدارة أوباما على التقليل من شأن برامج التسليح الكبرى، وأعلنت بوضوح أنها تريد تقليل وجودها العسكري في الشرق الأوسط، مع تركيز على استمرار التوازن الاستراتيجي البحري مع الصين.
وفقاً لهذا التوجه، فإن الولايات المتحدة يحتمل أن تستخدم اليابان كعامل ضبط لتحرك الصين التي تنافس الولايات المتحدة على النفوذ والسلطة، ليس فقط في شرق آسيا المهمة استراتيجياً، بل إن الولايات المتحدة تريد من الصين أن تضغط على إيران لكبح طموحاتها النووية، حيث إن إيران في حاجة إلى التعاون الدولي في تجارتها النفطية، وإقامة منشأتها النووية، ومشاريع البنية التحتية فيها.
في ظل تغير الظروف التي تتسم بتراجع الولايات المتحدة، وبروز الصين، فإن أمريكا تريد تحويل استراتيجية تحالفها نحو الدفاع عن اليابان في فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة. وهذا التحول أمر حتمي، وموضوعي، ويجب ألا تكون له علاقة بخيبة أمل مديري التحالف الأمريكي الياباني.
على أمريكا واليابان إدراك الأهمية الاستراتيجية لليابان، وأن تسعيا إلى إعادة بعث الحياة واستعادة الفاعلية الحيوية للتحالف الأمريكي الياباني. وعلى صانعي السياسة في آسيا، والأماكن الأخرى، الالتفات إلى التراجع النسبي في قوة الولايات المتحدة، بدلاً من أن تشتت انتباههم الأصوات الناجمة عن مستوى السياسة بين الولايات المتحدة واليابان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي